الخميس 24 أبريل 2025
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة القبطية

صليب الفقراء v.s تاتو الأغنياء..الأقباط يدقون "الصليب" للتكريم وصور"القديسين" للشفاعة الوشم تطور من الفراعنة لـ"البيوتي سنتر"الإبرة والكحل أول الطريق والمستورد يغزو مراكز التجميل

الوشم على جزء من
الوشم على جزء من الجسم
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
القمص صليب متى: الوشوم ودق الصلبان وصور القديسين متوارثة منذ زمان بعيد.. ونراها افتخارًا بالصليب
"osos"دقاق للصفوة: الصليب بـ 500 جنيه.. أدواته مستوردة والتعقيم خير دليل 
جرجس دقاق الغلابة: أغلى صورة ألوان بـ 200 جنيه 
ما بين آيات الكتاب المقدس وعادات الأقباط الموروثة على مدى الأجيال لتكريم «الصليب»، ما بين الوشم والارتداء والدق على أنحاء الجسد ليكون متسقًا وملازمًا للإنسان المسيحي منذ مهده إلى الوفاة، هناك من يستند لآيات ونصوص الإنجيل، وآخر يتبع أقوال القديسين الأوائل، وفرق أخرى تلجأ لدق وشوم وصور بعيدة عن الطابع الديني، كنوع من مواكبة العصر على خطى الأجانب من رموز وأشكال.
ووسط انطلاق العالم للحداثة والتطوير، بدأ دق الصلبان أو صور القديسين بصورة بدائية تشتهر بها أعياد القديسين وأمام الكنائس القديمة الأثرية ذات التوافد الكثيف، ومرت بمراحل تطور وصلت لاستخدام أجهزة ومعدات حديثة ومستورة من خارج البلاد، ومتخصصين في أعمال الدق والرسم بالأبيض وأسود والألوان.
المقبلون على «الدقاق» أو رسامة الصلبان وصور القديسين، إما على خلفية الآيات الواردة أو لإعلان الهوية الدينية والافتخار وتكريم رمزي للصليب، كما جاء في رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية بقوله «فَحَاشَا لِى أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِى بِهِ قَدْ صُلِبَ الْعَالَمُ لِى وَأَنَا لِلْعَالَمِ»- نظرًا لأهميته في العقيدة المسيحية كدلالة لرمز الفداء، إما اعتادوا على ما رؤه عند أجدادهم وآبائهم في أعياد القديسين، والتي تشهد عادة زخما من المتخصصين في أعمال الدق البدائي.

مصر الفرعونية
لم يكن الوشم أو الرسم مع ظهور المسيحية، فحسب بينما كان أحد استخدامات مصر القديمة «الفرعونية»، سواء في التجميل أو الأعمال الطبية أو السحرية، وانتقلت العادة للأقباط مع دخول المسيحية، واقتصروا على رسم الصلبان بدلًا من الرموز التجميلية المعهود للفراعنة كنوع من الافتخار بهويتهم الدينية، ولذا يصعب تحديد انطلاق عادة دق الوشوم على معصم الأقباط.
عادة ما يرشم الصليب في طقوس الصلوات بالكنائس أو الصلوات الخاصة، والكثيرون يرتدونه سواء من ذهب أو فضة أو جلد على غرار البطاركة والأساقفة والكهنة، وآخرون يدقونه على أنحاء بالجسد ما بين رسخ اليد وحتى على القلب، وصور رمزية للمسيح أو القديسين، رغم أن غالبية أقوال قديسين وآباء الكنيسة الأوائل في إطار وشم الصليب وليس الدق، وعلى سبيل المثال قول القديس باسيليوس الكبير»: «تعلمنا من التقليد أن نرسم الصليب على جبهتنا وعلى سائر الأمكنة»
عصر الاضطهاد الديني
يرجع البعض فكرة دق الصلبان ومجيئها يعود لعصر الاضطهاد أيام دقلديانوس، والذي استباح دماء الأقباط، ولذا كان يحرص الأقباط على وشم أبنائهم بالصليب، حتى إذا استشهدوا على يد العساكر آنذاك يعلم الجميع بأنهم مسيحيون، والبعض يقول أن وشم الصليب كالبطاقة الهوية لتأكيد القبطية والمسيحية، وتكرم الكنيسة الصليب بطريقتها، حيث خصصت احتفالا رسميًا سنويًا باسم «عيد الصليب» تحتفل به الكنيسة القبطية والإثيوبية في السابع عشر من توت، وفي العاشر من برمهات كل عام، كما تحتفل به الكنيسة الغربية في الثالث من مايو.
ومع مرور الزمن أصبحت العادة نذرًا، يتمنى البعض أو يطمح إلى شيء ويدعو قديسًا، وإذا تحقق هدفه رسم صورة شفيعة من القديسين وآخرون يدقون تاريخ زيارتهم للأماكن المقدسة بالقدس كنوع من التذكار الدائم على أيديهم أو صدورهم، وبدأت مراحل دق الصلبان في الماضي بصورة أكثر بدائية، حيث استعان البسطاء بالأدوات المتاحة من إبرة خياطة عادية وقليل من الكحل أو الحبر الأسود وقطرات من اللبن، ليدق الصلبان وسط الألم مبرحًا.

ماكينات كهربائية
تطور قليل طرأ على طائفة العاملين بدق الصلبان واستعان البعض بـ«ماكينات كهربائية» وأحبار الطباعة المعروفة بـ«أحبار زفرة»، لتكون عوضًا عن الإبرة والكحل البدائي، ومع حالة التقدم العلمي الذي يشهده العالم انتشرت العادة بدق الصلبان بالألوان أو صور القديسين بألوان متنوعة على أنحاء بالجسد، وهو ما يسمى «التاتو»، باستخدام آلات دقيقة، غالبيتها مستورد وأدوات باهظة الثمن.
جولة البوابة
ومع رحلة تطور «دق الصليب» ومهنة الدقاق رصدت «البوابة »الفارق بين هذا وذاك، من مفترشي الطرق أمام الكنائس في الموالد والأعياد إلى مراكز متخصصة في الدق والرسومات، في محيط الكنائس بمصر القديمة التقينا «جرجس»، شاب ثلاثيني يمتهن دق الصلبان وصور القديسين على جانبه أكلاشيهات للصور و«بصامة» حبر لتحديد الصورة المطلوب دقها على أنحاء الجسم لرواده والوافدين.
يمسك ماكينة كهربائية وبجواره أنواع وألوان من الأحبار المستخدمة في أعمال الدق كنوع من الافتخار والتباهى بصور القديسين أو نوع من التكريم، يستخدم أحيانًا «بنج موضعي» لتخدير اليد أثناء «الدق»، ولكن الألم يغلب التخدير بالطبع، ويمتهن الرسم والدق منذ سنوات طويلة، وطاف العديد من الاحتفالات والموالد السنوية للقديسين.
لكل حاجة تسعيرة، فالرسم أو الدق بالألوان يختلف عن الأسود والأبيض وبحسب حجم الصورة، ففي كل الأحوال لا تتجاوز 200 جنيه للصور الكبيرة، هكذا تحدث معنا دقاق الصور بالطريقة المعروفة في الموالد.
وأوضح «جرجس»، أنه عقب الانتهاء من دق الرسومات المرادة يتخلص من الإبرة القديمة المستخدمة، حتى لا ينتقل أمراض، بالإضافة لاستخدام مطهرات وبعض الشاش والقطن في تطبيب الجرح بعد الدق، وكان في الماضي يدهن الجرح بقليل من «الملوخية الخضراء» اعتقادًا من البعض في ترطيب الجرح وتجميل لون الصليب.
وأشار إلى أن فارقًا كبيرًا بين الدق في الموالد، ومن يلجأون للتاتو، والذي يكون مكلفا بصورة كبيرة في مراكز بعينها، يشتغل أصحابها في أعمال الدق والحنة وما شابه، واختتم قائلا: «يأتينا بعض إخواننا المسلمين لكتابة آيات قرآنية أو لدق صور أو رسمة لمحو وحمات أو ندبة وغيرها».

التاتو
ومن الدقاق إلى عالم «التاتو»، والتي يشتهر بها عدد قليل من المراكز المتخصصة في المجال بمصر، وروادها من الطبقات الغنية أو الأجانب أو صفوة المجتمع، نظرًا لغلاء أسعارها وفق المطلوب رسمة أو دقة بآلات وأدوات حديثة متطورة.
يقول أسامة أيوب الشهير بـ(osos)، أحد أصحاب المراكز المتخصصة، إنه يعمل بمجال رسامة ودق التاتو منذ 12 عامًا عن دراسة، وليس هواية فحسب، بينما لجأ لأحد المراكز والمحال الشهيرة قبل سنوات في الولايات المتحدة الأمريكية للتدرب على مدار 6 أشهر تقريبًا، والكورس كلفه حينها 5 آلاف دولار، وحاليًا يتجاوز الرقم بكثير.
وأوضح (osos)، لـ«البوابة» أن المحترفين والمتخصصين في مجال التاتو قليلون في مصر، نظرًا لعدة اعتبارات، منها العادات والتقاليد وأيضًا التكاليف وأسعار الأدوات المستخدمة في أعمال الدق، خاصة أن جميعها مستورد، بدءا من أدوات التعقيم ووصولا للإبرة المستخدمة في الدق؛ موضحًا أن بداية عمله بمصر عقب عودته من الولايات المتحدة الأمريكية كانت في مدينة شرم الشيخ، وبعد ثورة يناير انتقل للعمل في القاهرة.
وعن الصعوبات والعراقيل في بداية طريقة، أكد أن الكثيرين لم يتقبلوا فكرة التاتو في بدء الأمر، رغم انتشاره في الموالد بصورة أخرى، وشيئا فشيئا تقبلوا الفكرة، ولا سيما أن استخداماته في كثير من الأحيان تكون لأعمال تجميل لتغطية آثار حروق أو جروح قديمة برسم صورة أو علامة باستخدام الأجهزة والمعدات الحديثة.
وأشار إلى أن المواد المستخدمة مستوردة من أمريكا حتى الإبرة، أما المستخدم في الموالد والاحتفالات الشعبية ماكينة تشبه «كالون الباب»، لا تحمل نوعًا من البروفشنال، ويستخدمون إبرة خياطة عادية.
وقال: «أحضر المعدات المستخدمة في أعمال التاتو من خلال أشقائي بأمريكا كل 3 شهور يرسلون عددًا من الأدوات المستخدمة وأجهزة لعدم توافرها فى مصر، وتستخدم الإبرة لشخص واحد فقط كالحقن، والهاند الذي يستخدم في أعمال الدق يعقم من خلال جهاز «أوتو كلاف» المستخدم لدى أطباء الأسنان، والأحبار المستخدمة كلها مستوردة».
ولفت إلى أن دق الصليب في المولد يكلف 5 جنيهات، وفي المركز المتخصص تصل تكلفته 500 جنيه، لضمان سلامة الشخص، وأيضًا لاستخدام أدوات معقمة بصورة صحيحة، وقيام متخصص في أعمال الدق والرسم، وأحيانا رسومات تصل 15 ألف جنيه.
مخاطر الموالد
وكشف مخاطر الأدوات المستخدمة في الموالد بقولة: «إن استخدام أداوت غير معقمة ووصول الأحبار الزفرة إلى الطبقة الثالثة من الجلد، وعدم خروج شعر للرجال في مكان الدق، أو الإصابة بسرطان الجلد، أو ضرب أحد الأعصاب نتيجة استخدام إبرة غير مختصة لطبيعة الجسم.
وتابع: «إن أعمال التاتو آمنة للغاية لضمان سلامة الأدوات المستخدمة ووجود تاريخ لصلاحية كل منها، حتى الإبرة المستخدمة، ولا سيما يلجأ إلينا صفوة المجتمع أو الطبقة الراقية لأعمال دق والرسومات سواء لصور دينية أو صور أخرى، وتصل نسبة روادنا 50% من مريدى الصور الدينية للاحتفاظ بها وعدم إزالتها فيما بعد، سواء بالليزر أو الكافر - دق صور أخري».
وعن أعمار رواد المركز، أوضح أن نسبة كبيرة جدا للأعمال ما بين 20 و30 سنة، وأبرز اختياراتهم عقارب أو صورة أبراجهم أو فراشة، ووردة وماشابه، أما كبار السن وما فوق 45 سنة لا تتخطى نسبتهم 10%، والكثير من المشاهير والأجانب يأتون لدق تاتو، ويعمل معي اثنان آخران في أعمال الدق إلى جانب مساعدين. مؤكدًا سلامة الصورة كما يطلبها رواد المركز للدق وفق الطباعة استنسل أمريكى، وليس بصورة اجتهاديه، وأعمال التاتو لا تبلغ الطبقة الثانية من الجلد ليمكن إزالتها بالليزر فيما بعد، أو الدق عليها صورة أخرى، موضحًا أن التعقيم من خلال جهاز الأوتوكلاف ومحاليل مثل ألترا سونيك المستخدم فى تطهير حمامات السباحة وغيرها من الأدوات لضمان سلامة الإنسان الراغب لأعمال التاتو.
ترخيص
وعن آليات ترخيص المراكز، أوضح أنه لحامل شهادة البيوتي أحقية أعمال التاتور دون إشكالية، بينما نتعرض لإشكالية أحيانا في دخول الإبر المستخدمة في الأعمال والمستوردة بسبب عدم الدراية الكافية باستخدامها في أعمال التجميل، واقترح وجود نقابة للعاملين بالمهنة، حتى تتوافر رقابة طبية وصحية على الأعمال، حفاظًا على أرواح المواطنين، وليكون هناك مساءلة للمخالفين.
وعن مدة دق الرسومات قال أسامة أيوب، الرسمة الصغيرة تنجز خلال ربع ساعة حتى ساعة، وهناك رسومات تقتضي العمل على مدار 30 ساعة وأسابيع منفصلة للراحة قبل إتمام التاتو، منوهًا لاستخدام أدوية مرطبة وغيرها، وأيضًا مخدر حقن أو غيره لتخفيف حدة العمل أثناء الدق للراغبين».

الفخر بالمسيح
فيما قال القمص صليب متى ساويرس، راعي كنيسة مارجرجس الجيوشي بشبرا مصر، إننا ندق الصلبان لأن بولس الرسول قال «حاشا لي أن افتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح» وهو نوع من الافتخار بالمسيح أو بالهوية المسيحية واعتزاز بالصليب يرغب البعض اتساقه به مدى الحياة، فيقوم بدقه على رسخ يده أو على ذراعه.
العضمة الزرقا 
وأضاف القمص صليب لـ«البوابة»، أن البعض يرتدي الصليب المصنوع من الذهب أو الفضة أو الجلد والخشب، وآخرون يرغبون في دقه افتخارا به وتكريمًا، منوهًا إلى أنه حينما أمر الحاكم بأمر الله أن يرتدي المسيحيون صلبانا وزنها 5 أرطال أي حوالي 2 كيلو تقريبًا، كانوا يحملونها فرحين، رغم تأثر رقابهم من الخلف من ثقل الصليب، ولذا أسموا الأقباط «العضمة الزرقا».
وعن دق صور القديسين، أوضح أنه نوع من الاعتزاز والافتخار بالقديسين، وهو أمر لائق كنسيًا مستشهدًا بالآية «انْظُرُوا إِلَى نِهَايَةِ سِيرَتِهِمْ فَتَمَثَّلُوا بِإِيمَانِهِمْ»، ليكونوا أمام الإنسان دائمًا ويتذكر أعمال هؤلاء القديسين وجهادهم وخدمتهم للمسيح.
وتابع: «أنه رغم الألم الذي يعانيه المقدم على دق الصليب، لكنه يفرح به، ولذا يحرص الكثيرون على أعمال الدق لأبنائهم وهم صغار، مستندين إلى الآية «مَنْ لاَ يَحْمِلُ صَلِيبَهُ وَيَأْتِي وَرَائِى فَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا».