السبت 01 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

مصر لم تعد «مذاعة على الهوا»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
معايير الحكمة التى ذكرها الشيخ الأزهرى طنطاوى الجوهرى لتلميذه حسن البنا حول علاقة الدين والسياسة فى إفساد كل منهما الآخر، تنطبق على علاقة الموضوعية التى تفسد الانحياز كما يفسد الانحياز الموضوعية.. وهو ما يضع تحليلات جريدة واشنطن بوست والجارديان و(أخواتهما!) من عزف نشاز يدخل فى خانة الانحياز. تتبع تحركات سياسات مصر الخارجية والأمنية فى محاربة الإرهاب بحد ذاته يقدم أبرز الدلائل على حجم المغالطات فيما يرد ضمن مقال نشرته «واشنطن بوست» أن مصر تنأى بنفسها مفضلة الحياد فى الخلافات المتصاعدة فى المنطقة بشكل عام، زاعمة أنها لا تملك أى نية للتدخل العسكرى فى أى نزاع فى المنطقة سواء حاليا او مستقبليا. أما «الجارديان».. فحدث ولا حرج عن المغالطات فى مقال نشره مساعد رئيس تحريرها عقب جريمة مسجد الروضة.
السقطات المهنية العديدة فى هذه الكتابات هى أنها أولا تخلو من أى رؤية على أرض الواقع أو الاتصال الحقيقى بموقع وطبيعة الحدث.. تعتمد أغلبها على (التنظير) و ترديد عبارات مكررة تخلو حتى من أى أدلة منطقية.. مما أفقدها كل مصداقية لدى القارئ المصرى والعربي.. انتقاد التعامل الأمنى للجيش والشرطة، و(القبضة الحديدية) التى تنوى القاهرة الرد بها على التنظيمات الإرهابية! دون طرح أى بدائل موضوعية.. معان ما زالت تدور داخل حلقات مفرغة حول ربط تغييب ما تزعم (الإسلام السياسي) الذى تصفه بالمعارضة! وازدياد الإرهاب فى سيناء.. وهو دليل تأكيد على مغالطاتهم وليس نفيا لها يضاف إلى كل الدلائل الموثقة على متانة الشراكة بين عصابة (حسن البنا) وهذه التنظيمات، يرفض مرددو هذه (النظريات) السطحية مجرد النظر إليها من مكاتبهم فى أمريكا ولندن. ثانيا، أمريكا لم تكشف بعد هجمات سبتمبر تفاصيل مخططاتها العسكرية ضد ما سمته دول (محور الشر).. بل سخرت كل إعلامها- بدون استثناء - لتعبئة رأى عام تجاه العراق عن أوهام أسلحة دماره الشاملة التى لم تظهر حتى الآن!. عند الرجوع إلى جميع المؤتمرات العسكرية والمدنية عن الحرب نجد معظم الأجوبة (غير مصرح لنا بالكشف عن المعلومة)، وهو ما تنتهجه كل الدول أثناء الحروب.. بالتأكيد ليس مطلوبا من مصر الكشف عن خططها الأمنية لكى تحظى برضاء السادة المنظرين.. أو كما حدث خلال العام الظلامى من حكم (عصابة البنا) التى حولت أمن مصر القومى إلى (جلسة مذاعة على الهواء) بكل التصريحات الهزلية التى أثارت سخرية وعداء العالم ضدها.
الأقرب إلى الموضوعية تحليل مواقف مصر فى إطار دولة تضع بدقة أمام ردود أفعالها تجاه الأزمات كل الحلول سواء سياسية أو أمنية دون الانسياق نحو مغامرات غير محسوبة. مصر ليست عاجزة تجاه ما يهدد أمنها القومى عن أى تدخل عسكرى مدروس وفقا لحسابات دقيقة، تزامنا مع حربها ضد الإرهاب.. الفرق شاسع بين هذه الحقيقة وبين الانسياق نحو مغامرات طائشة. المؤكد أيضا أن مجرد دراسة فكرة أى تدخل عسكري، لن تطرح تفاصيلها على العلن أو الإعلام. خطورة آثار مهزلة مشهد (الجلسة مذاعة على الهواء) التى أدارتها مجموعة (عصابة البنا) مع بعض المرتزقة لمناقشة أزمة سد النهضة، أنها زعزعت ثقة الجار الأفريقى فى نظيره المصري. رغم كل المحاولات التى جرت بعد ٢٠١٣ لإزالة آثاره، إلا أنها تبقى وثيقة مصورة أمام العالم تستطيع إثيوبيا الرجوع إليها. 
مسار المفاوضات حول سد النهضة منذ البداية أثبت أن بناء الثقة من الجانب المصرى لم يقابل من الشريكين الإثيوبى والسودانى بما يليق به، خصوصا مع توسع النظام الإثيوبى فى بيع أراض وموارد إثيوبيا إلى الشركات الأجنبية - دعما لصالح الحكم فيها- وهو توجه لا يمكن قراءته بمعزل عن النشاط الاقتصادى والسياسى الذى انتهجته قطر مع إثيوبيا مؤخرا. إثيوبيا اعتمدت على ثلاثة مسارات منذ خطاب الرئيس السيسى فى البرلمان الإثيوبي.. وقتها كانت إثيوبيا أنجزت بناء جزء كبير من السد منذ ثورة ٢٥ يناير. المسار الأول، المراوغة والمماطلة مع جميع القرارات التى تم توقيعها فى القمة الثلاثية بين مصر- السودان-إثيوبيا.. اعتمادا على عامل كسب الوقت الذى سيجعل سد النهضة والتأثير على حصة مصر من المياه أمرا واقعا لا يمكن تغييره!.. الثانى استبعاد الخيار العسكرى من جانب مصر بعد مهزلة اجتماع (الجلسة مذاعة على الهواء) تحت وهم أن جميع ردود أفعال مصر تجاه التعنت الإثيوبى – سواء سياسيا او أمنيا- ستتسم بهذه السذاجة، إضافة إلى معلومات خاطئة أن انهماك مصر فى حربها ضد الإرهاب وإعادة ترتيب أوراقها الاقتصادية والأمنية سيجعل ردود أفعالها هزيلة، مع عدم إدراك القدرات الحقيقية لقوة الجيش المصري.. الثالث رضوخ قيادتها للوعود والإغراءات المقدمة من أطراف خارجية اختارت موقفا مضادا لإرادة الشعب المصري.
الحزم الذى اتسمت به رسالة الرئيس السيسى أثناء افتتاح مشاريع الاستزراع السمكى هى وعد لا يقبل اللبس للشعب المصرى حول عدم قدرة أى أحد على المساس بحصته فى مياه النيل.. سياسيا، فى رسالة واضحة إلى السودان الشمالي، رعت مصر توقيع اتفاق القاهرة لتوحيد الفصائل المتنازعة فى الحركة الشعبية لتحرير السودان، لتنهى قتالا استمر أربع سنوات فى جنوب السودان.. ما يؤكد للجزء الشمالى أن تبنى مواقف عادلة من أزمة سد النهضة لن تقتصر آثاره الإيجابية على مصر، بل على استقرار السودان أيضا، خصوصا مع النشاط الدبلوماسى الذى شهدته الأعوام الماضية لإعادة الترابط بين مصر وجذورها الأفريقية. 
أخيرا.. مع بقاء جميع الخيارات مفتوحة أمام مصر- حتى الأمنية- وبعض هذه الخيارات لا تحتمل الحكمة مناقشته علنا.. هى رسالة من مصر على إثيوبيا قراءتها جيدا.