حسنًا فعل فضيلة الإمام الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، بزيارته لمسجد الروضة ببئر العبد فى سيناء، عندما قرر ومعه عدد من الرموز الدينية صلاة الجمعة بذات المسجد الذى شهد الجريمة الإرهابية المنظمة والتى نفذها متأسلمون زعموا احتكارهم للدين، جاء رد شيخ الأزهر بشكل عملى وعلى أرض الواقع ليعلن من هناك وجوب قتال تلك الفئة التى ارتكبت تلك الجريمة وما شابهها من جرائم، هنا نحن لا نحتاج إلى فتاوى لتكفير الإرهابيين ولا نحتاج خلطا فى الأوراق، نحن هنا بصدد مجرمين جنائيين ارتكبوا مذبحة ضد أبرياء، نحن هنا فى دولة واجبها نشر الأمن بين مواطنيها والرد على كل من تسول له نفسه تهديد ذلك الأمن، والرد هنا من الممكن أن يكون بالقتال كما قال شيخ الأزهر أو بالمحاكمات العاجلة الرادعة فى حال القبض على هؤلاء المجرمين.
ويبقى الرد الأكثر نجاعة بالمواجهة الشاملة فكريًا وتنمويًا وإعلاء قيمة دولة المواطنة وترسيخ مبادئ دولة القانون، سعدت بزيارة شيخ الأزهر إلى مسجد الروضة لما تمثله من رمزية فى تلك المعركة المفتوحة، وتتجلى تلك الرمزية فى قطع ألسنة المترددين الذين بحثوا عقب الجريمة عن مبررات للقتل، وقتها قال البعض كسحابة دخان ليختفى الإرهابيون خلفها، إن الجريمة تم تنفيذها لأن مسجد الروضة هو معقل إحدى الطرق الصوفية، وقال آخرون إن الجريمة تم تنفيذها لأن أهل القرية يدعمون الجيش فى معركته ضد الإرهاب، وبالرغم من النوايا الطيبة للمجتهدين فى البحث عن الأسباب إلا أننا نعود لنؤكد أن الجريمة نفذها مجرمون لا لسبب إلا الإرهاب والعنف والدم، وأن المجرمين سيضربون كلما تيسر لهم ذلك وأن المواجهة الشاملة هى الحل وهى بوابة الانتصار.
لذلك رأينا رئيس الجمهورية وهو يُصدر تكليفًا على الهواء مباشرة إلى رئيس أركان الجيش المصرى بالانتهاء من ملف سيناء وعلى خط مواز كان شيخ الأزهر يزور سيناء ليعلن من هناك كلمته بوجوب قتال المجرمين، كل هذا جيد ومطمئن لتبقى التفاصيل حاسمة فى ذلك الأمر، ومن تلك التفاصيل على سبيل المثال الاتجاه بجدية نحو تنقية مكتبات الأزهر وكتبه من جرائم الزمن عندما دس العشرات ما هو متناقض مع روح الإسلام، هذه الشجاعة التى ننتظرها من الشيخ أحمد الطيب ورفاقه لن تقل فى أهميتها عن تحركات جنود الجيش المصرى فى أودية سيناء وتتبع خطى المجرمين لسحقهم.
بل ونزيد على ذلك أن تحركات الجنود وهى ضرورية بالتأكيد لن تكون أكثر أثرًا من تدخل الأزهر العاجل فى بلورة فقه يأخذ من المجتمع ويعطيه، لا توجد أى مشاكل لدينا فى الدين سواء كان إسلاميًا أو مسيحيًا ولكن كل المشاكل منبعها الفكر الدينى وليس الدين ذاته، لذلك يصبح من العجب أن نرى بعض الجهلاء على المنابر كل جمعة يُشهرون سيف التكفير فى وجه الآخرين، وهو ما يتناقض مع كل الجهود الرامية لاجتثاث الإرهاب ومنابعه الفكرية.
أعرف أن مجرمى سيناء وكذلك المتسللين من الجهة الغربية لمصر هم أبعد ما يكونون عن تلك التفاصيل لا فكر ولا مرجعية ولا غيره، وأن الجرائم المنظمة التى شهدتها مصر نلمح فى عمقها حربا إقليمية مدفوعة الثمن بملايين الملايين من الدولارات وأن منفذيها على الأرض محض مجرمين، ولكن تلك القشرة الدينية التى يغطى بها المجرمون جرائمهم وجدت لنفسها مساحات من مكتبات الأزهر ومن خطاب التشدد الذى يقع بعض المشايخ فى غرامه لتصل بنا الصورة النهائية إلى دماء مسجد الروضة، ونرجو أن يكون أملنا فى الأزهر فى محله وأن تكون الرؤيا واضحة فى المعارك الكبرى.