بعدما انتهى مشهد انتحار الشاعر أحمد بين كتبه، استغفرت الله مما فعله، لأننى كنت تعلمت أن المنتحر يذهب إلى النار، حتى أدركت فيما بعد أننى حكمت بما أملك فيما لا أملك ووقعت فى فتنة ظاهر الأمر، ولربما تتداوى حروق أحمد وغيره فى السماء، وآمنت أن الفرق بين الكثير وبينهم ليس وازعًا دينيًا ولكن فقط المنتحرون أشجع، وأكثر إدراكا أننا نموت حينما تموت فى صدورنا الفكرة.
مسحت دمعتى ودسست الورق كما كان ثم خرجت من باب المنزل لا أعرف لى وجهة، لم يكن هناك ما يأكل وقت الأطفال فى الإجازات سوى الشارع. «دلفت إلى الزراعية وكان بعض الأطفال يجلسون على أجوال القمح العالية، جلست بجوارهم وسط دهشة لأننى لأول مرة أخرج للعب معهم، ورويدا اندمجت وأخذت أحكى لهم عما سبق من مواقف.. ضحكنا وكأننا ندرك أننا بحاجة إلى الضحك من حين لآخر، بعد ساعة أو أكثر من أذان العشاء كان فم القرية سكت عن الصرصرة، وتوشح وجهها بالسواد، اقتربت من دارنا وإذ بي أسمع أطيط نعال جدتى، كنت أحفظه وأميزه، كانت ملاذى وصمام الأمان لى من بطش أبى، همست لها: ستى، حركت عصفورة الباب ولفت رأسى بشالها ودخلت بى إلى «القاعة»، قذفتني فوق «المحمة» حتى هدأ روعى وذاب جليد أعصابى من حرارة الفرن، صعدت بجواره وقالت ليه كده يا بنى؟ إيه اللى خلاك تقعد برة لغاية دلوقتى، أجبتها يا ستى كنت قاعد مع العيال بحكلهم على الشيخ وحسين والبوليس، فتابعت: «لولا ستر ربنا إنى قابلتك كان زمان أبوك موتك من الضرب، كده مش هينفع من بكرة لازم ترجع تروح الكتاب عند سيدنا الشيخ محمد، قلت لها: ستي هو سيدنا الشيخ محمد ده هو النبى؟ ضحكت ووضعت رجلها على خصرى وضمتنى إلى صدرها وأخذت تهددنى.. يللا تنام.. يللا تنام..