أسطورة (أوزيريس وسِتْ).. أسطورة فرعونية من بين الأساطير التى تروى قصة الصراع الأزلى الأبدى بين الخير والشر.. حيث كان (أوزيريس) فيها رمزًا للخير، بينما كان (سِت) رمزًا للشر.. وتحكى الأسطورة أنه بعد أن أصبح (أوزيريس) ملكًا على مصر.. غار منه أخوه (سِت) وحقد عليه؛ فقد أراد أن يكون ملكًا بدلًا منه.. فحاول بشتى الوسائل القضاء على أخيه؛ ليتولى هو الحكم.. ومن أجل ذلك دبَّر مكيدة للتخلص منه.. فأقام احتفالًا كبيرًا، عرض فيه تابوتًا فى منتهى الروعة والرونق.. وقال: إن هذا التابوت سيكون هدية لمن يأتى على مقاسه.. وقد صُنع التابوت على مقاس (أوزيريس)؛ بحيث لا يُناسب أحدًا غيره.. لذا عندما قام الحاضرون بالاستلقاء فيه، لم يكن مناسبًا لأحدهم.. إلى أن جاء دور الملك (أوزيريس).. وعندما استلقى فيه.. أغلق (ست) عليه التابوت وألقاه فى النيل.. وكانت هذه بداية الشر على الأرض كما تقول الأسطورة.
وإذا كان هذا ما ترويه الأسطورة، فإن ما تخبرنا به الحقيقة ليس عنها ببعيد؛ فمنذ أن وطِئتْ قدم آدم الأرض، احتدم الصراع بين الخير والشر.. الذى بدأ بعد علم إبليس باستخلاف اللـه آدمَ على الأرض، فغار منه وحقد عليه وأبى أن يسجد له.. فقال له اللـه: يا إبليس، ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديَّ.. فقال إبليس: أنا خير منه؛ خلقتنى من نار وخلقته من طين.. فقال اللـه: فاخرج منها فإنك رجيم.. ومن حينها وقد تربَّص إبليس بآدم وأبنائه، يحاول أن يزرع فيهم الشر، رغم أن الأصل فيهم الخير، فالشر عليهم دخيل.. وكانت بدايته على الأرض مع ابنَىْ آدم قابيل وهابيل.
فقد قرَّبا ابنا آدم إلى اللـه قربانًا؛ فـتَـقَـبَّل اللـه من هابيل، ولم يتقبل من قابيل.. فقرر قابيل قتل أخيه؛ حقدًا وحسدًا من عند نفسه، لماذا يتقبل اللـه منك ولم يتقبل منِّى؟!.. فقال له هابيل فى لطف ونصح: يا أخي، إنما يتقبل اللـه من المتقين.. يا أخي، لئن بسطت إليَّ يدك لتقتلنى ما أنا بباسط يدى إليك لأقتلك.. ولكن هيهات، فلم تُؤثِّر تلك الكلمات التى تُشع بالحب والرحمة فى نفس قابيل، الذى استحوذ الكُره والحسد على قلبه تجاه أخيه، ولم تمس تلك الكلمات مشاعرَه، بل جعلته يتمادى فى غضبه، فكانت النتيجة أن طوَّعت له نفسه قتل أخيه؛ فقتله فأصبح من الخاسرين.
وقف قابيل نادمًا أمام جثة أخيه لا يصدق ما فعله، كان مشهد أخيه وهو غارق فى دمائه مشهدًا قاسيًا، لم يَدْرِ كيف جاءته كل تلك القسوة حتى فعل بأخيه ما فعل؟!.. وراح ينظر فى صمت وذهول، وقد أظلمت الدنيا فى وجهه.. سؤال واحد كان يدور فى باله، ولكنه لم يجد له جوابًا.. كيف يـُخفى جثة أخيه؟!.. وبينما هو على الحالة تلك، غارق فى تفكيره، رأى أمامه شيئًا عجيبًا، فقد بعث اللـه إليه غرابًا، راح يَنْبُش فى الأرض حتى حفر حفرة، فدفن فيها غرابًا ميتًا.. فقال فى حزن وحسرة: يا ويلتا.. أعجزتُ أن أكون مثل هذا الغراب؛ فأوارى سوءة أخى؟! فأصبح من النادمين.. ولكن فات أوان الندم يا قابيل!
وكانت تلك الجريمة المنكرة أولَ جريمة يُسفك فيها دمٌ فى تاريخ البشر، وكأنَّ الملائكة كانوا على علم بما سيفعله أبناء آدم على الأرض حينما قالوا لربهم: أتجعل فيها من يُفسد فيها ويُسفك الدماء؟!.. ومن حينها وسفك الدماء لم ينقطع ولن يقطع، حتى يقضى اللـه أمرًا كان مفعولًا، فينتصر الخير وأهله، وينتقم اللـه من الفُجّار الذين استباحوا الدماء، فقتلوا الأنفس بغير حقٍّ، ومن قتل نفسًا بغير نفسٍ، أو فسادٍ فى الأرض، فكأنـَّمـا قتل الناس جميعًا.