تعودنا ونحن صغار حب شهر الطفولة «نوفمبر»، والذى يسبقه شهر أكتوبر واحتفالات النصر، تمتد البروفات والاستعدادات لهذا الشهر، وتمتلئ المدارس بالاحتفالات وتتسابق فيما بينها بالأعمال الفنية (موسيقى، وغناء، وتمثيل مسرحى).. ولأنى من أبناء أكاديمية الفنون العريقة كنا نشارك فى الاحتفالية الكبرى التى تحضرها السيدة/ سوزان مبارك، وكنا نعيش أجمل لحظاتنا بالإحساس بالذات ونشوة التميز.. ذهبت أيام البهجة والفرحة وما عدنا صغارا.. وفى نوفمبر هذا العام أطبق على صدورنا كارهو الحياة ليملأوننا أحزانا تلو أحزان.. هذه المرة اقتحم حوالى ثلاثين إرهابيا مسجد الروضة فى «بئر العبد» بأرض سيناء الحبيبة، ليستشهد ثلثمائة وخمسة، ويصاب مائة وثمانية وعشرون -حتى كتابة المقال- منهم سبعة وعشرون طفلا.. وقد نشر الدكتور/ عبدالرحيم على صورة لأحد الشهداء، طفل وعلى عينيه دمعة تحجرت، كقلوب من سلبوه الحياة.. إنها صورة عبقرية يجب أن تكون صورة العام، وأن ترشح لنيل جائزة عالمية لمن التقطها بقلبه قبل الكاميرا التى يحملها، لتعبر بمشاعر راقية وصادقة عما نحياه فى هذا الزمن الردىء، والذى تغتال فيه البراءة والطفولة بلا ذنب أو جريرة.. ماذا فعل هذا الطفل الجميل غير اللجوء إلى أحد أطهر بقاع الأرض، المساجد التى يذكر فيها اسم الله والممتلئة بالركع السجود؟!.. فى أى شيء كان يفكر وهو يتوضأ استعدادا للصلاة؟! هل استطاع أن يقبل وجه أمه قبل تركها؟! هل امتلأ قلبه بالخوف والرعب قبل الرحيل؟! لماذا نزلت هذه الدمعة ؟! ألما وحزنا!! أم رسالة إلى عالم أصم لا يعرف إلا المطامع والمكاسب المادية والأحقاد والقلوب السوداء!!.. هل بكى منا أم علينا؟!.. فيا أيها الطفل الشهيد لقد أصابت دمعتك قلب الضمير.. فهل يستيقظ ضمير العالم؟ هل يكف صناع الإرهاب عما يفعلونه؟ فهم ممن يشجبون اغتيال روحك الطاهرة، وهم أيضا يدفعون ثمن السلاح الذى مزق جسدك الطاهر!! هم أنفسهم من يرسلون برقيات التعازى بكلمات تقطر بدمائك التى تسعدهم، ما زالوا يرسمون على وجوههم الحزن والأسى، رغم السهر فى التخطيط والدراسة للاغتيالات القادمة!! وما زال يردد إعلامنا أسماء بلدانهم على رأس قوائم من قاموا بواجب العزاء لفخامة الرئيس!!.. نحن نراهم ونعرفهم من عيونهم الحمراء رغم ارتدائهم ملابس الجدة الحنون!! نعرف أنهم يزرعون الفتن ويسعون للتدمير، ونتظاهر أننا لا نعرف من الجانى!!.. مائة عام مضت ونحن من حرب إلى حرب، ومن مؤامرة إلى أخرى، حتى وصلنا إلى التفتيت والتشتيت والعديد، ذهب إلى الجحيم، كنا نرى ونبكى أهل فلسطين وأطفال الحجارة، نبكى الأطفال والسيدات الذين يعيشون فى الخيام، ونحن نرى صورهم البائسة، لنعيش الآن أيام أسود من الليل المظلم، سيدات العرب سبايا ورجالهم عبيد!! وخيرات البلدان تسرق وتنهب فى وضح النهار!! طائرات الأعداء تحمل المجرمين القتلة من العراق وسوريا بعد أدائهم للمهمة الصعبة، ليحملونهم المهمة الأصعب «الجائزة الكبرى» مصر العصية الأبية.. مصر التى أوقعوها فى شباكهم، وكلما مزقت جزءا من الشباك يجذبونها بحبالهم الممتدة، من حصار اقتصادى، إلى شائعات، إلى فتن طائفية، إلى أعمال شبه فنية تبث فى النفوس الضعف والتخاذل، ودهس القيم والعادات والتقاليد العربية الرصينة.. يحاول الرئيس الإسراع فى الإنجاز علنا ننجو مما يحاك لنا، فيملأون ساحات القتال بالعدد والعدة من جديد، وتهب عواصف الإرهاب والقتل على الآمنين لزعزعة الثقة فى الدولة ورجالها، وفى القوات المسلحة وقوات إنفاذ القانون.. يحاولون زرع اليأس وقتل الأمل، يبيدون الأمان حتى فى بيوت الرحمن.. إلى متى ؟! سبع سنوات عجاف مرت علينا، ونحن راضون بقضاء الله آملين أن تزاح الغمة ويأتى الفرج، سبع سنوات سرقت من أعمارنا، وأضافت إلى نفوسنا سبعين عاما من الجراح والأحزان، مع كل حادث إرهابى يعزى بعضنا بعضا وندعو أن تكون آخر الأحزان، وتجرفنا طاحونة الأيام بين رحاياها، وما بين إلهاء وإصغاء نستفيق على حادث جديد وشهداء جدد من خيرة نتاج أرضنا الطيبة.. ماذا يريدون؟! وماذا نفعل كى نحيا بأمان؟! لماذا لا نقف وقفة رجل واحد فى وجه هذا الإرهاب الأسود؟! نترك كل ما يغيب العقول، ونستغل ما منحنا الزمن من قدرة على التواصل بمجرد لمس زر، ونرسل صورة الطفل الشهيد الباكى إلى كل دول العالم، لتصبح تلك الصورة الناطقة نبراسا للقضاء على الإرهاب، علينا التواصل كشعب مع الشعوب، وخاصة التى تعمل إداراتها على إشعال الفتن، ونُحكّم الشعوب، والشعب دائما هو السيد والحاكم، أرسلوا صورة هذا الطفل الشهيد فى يوم عيده إلى الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، ومجالس النواب فى كل دول العالم، وطالبوهم بالتوحد ضد الظلم والقتل والإرهاب، من أجل دمعة هذا الطفل الجميل الذى لم يمهله القدر أن تسقط دمعته، وظلت معلقة كخنجر فى قلب الضمير العالمى عله يستيقظ يوما!!
آراء حرة
رسالة الطفل الشهيد الباكي
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق