من يتابع ويرصد الخطاب الإعلامى الأمريكى، سيلاحظ بوضوح أن ثمة إرهاصات فى منتهى الوضوح تشير إلى أن إيران، وأذرعها فى العالم العربى، هى العدو الذى جاء دور مواجهته، بعد انتهاء العالم من سحق داعش، وغنى عن القول بأن هناك من المبررات والحيثيات ما يجعل العالم الغربى، والأمريكيين على وجه الخصوص، يتوجهون إلى هذا الخيار.
إيران دولة (ثيوقراطية)، يتربع على عرش السلطة فيها رجل دين يعتقد أنه وسيط بين الله والإنسان على الأرض، ويعمل عن قناعة وإصرار على أن يكون (زعيم العالم الإسلامى) بقوة السلاح، أو من خلال وكلاء إرهابيين، أو بهما معا، ولأن هذه أهدافه، جعل المملكة، بلاد الحرمين الشريفين، غايته النهائية؛ ولتحقيق هذه الغاية، لديه، ولدى أركان حكمه، استعداد لأن يضحى بملايين الأفراد، وينفق آلاف الملايين، دون أن يرف له جفن، بل ويعتبره واجبًا دينيًا، يجب عليه، بحكم أنه (ممثل) الله على الأرض، أن يؤديه.
الأمريكيون حاولوا فى عهد الرئيس السابق «باراك أوباما» أن يتعاملوا مع إيران من خلال (إغرائهم) بالمصالح الاقتصادية والتنموية، وأمدوا إيران بما تحتاجه من الأموال التى كانت مجمدة بحكم العقوبات لديهم، على أمل أن هذه الأموال ستقوى الجناح المعتدل، وتُقلص نفوذ المتشددين المؤدلجين، إلا أنهم اكتشفوا- متأخرين للأسف- أن هذه الجمهورية بُنيت من الأساس لتكون دولة ثيوقراطية كهنوتية، تمامًا مثل تلك الدول التى عرفها العالم إبان القرون الوسطى، وليس ثمة إمكانية لاحتوائها، إلا بمواجهتها وإسقاطها.
وليس لدى أدنى شك أن الأمريكيين تعلموا من تجاربهم التاريخية السابقة، وبالذات من تجربتى أفغانستان والعراق، ففى أفغانستان استطاعوا بالفعل أن يهزموا الاتحاد السوفييتى، ويستنزفوا قدراته الاقتصادية، لينتهى بالتفكك والتلاشى، لكنهم ورثوا فى أفغانستان الإرهاب المتأسلم، الذى كلفهم على جميع المستويات أكثر مما كانوا يتوقعون فى خططهم، وفى العراق أسقطوا دولة صدام، وعملوا على اجتثاث فكر البعث، لكنهم أحدثوا فراغا، أفرز الطائفية المذهبية، فجاء الإيرانيون فاستغلوها، ووظفوا المذهب الشيعى لابتلاع العراق، وانتهى الأمر الآن وكأن الأمريكيين قدموا العراق إلى إيران على طبق من ذهب.
الآن، وحسب ما أقرأه من الخطاب الإعلامى الأمريكى الحالى، ومواقف كثير من الدول التى ترتبط بتحالفات مع الأمريكيين، فإن إيران هى فى عين العاصفة، لكن الأمريكيين تعلموا من دروسهم السابقة جيدا، ولديهم وسائل أخرى، تغنيهم عن العمل العسكرى، وهى العقوبات الاقتصادية، التى تؤدى فى النتيجة ما يؤديه العمل العسكرى، صحيح أن العقوبات الاقتصادية تحتاج لتحقيق أهدافها وقتًا أطول، إلا أن تكاليفها على كل المستويات أقل، ويبدو أن العقوبات الاقتصادية لن تقف عند حدود إيران، ولا الشخصيات والكيانات الاقتصادية الإيرانية، وإنما ستمتد إلى أذرع إيران فى المنطقة، التى يأتى حزب الله فى مقدمتها.
حزب الله الآن مشارك محورى فى الحكومة اللبنانية، ويدعمه الرئيس اللبنانى، لذلك فإن لبنان (الدولة) ستكون من الأهداف المحتملة للعقوبات الاقتصادية المقبلة لحصار إيران؛ ولا أعتقد أن اللبنانيين سيتحملون حصارًا اقتصاديًا كهذا فيما لو حدث، فإذا كان النفط أعطى الإيرانيين قدرة على تحمل العقوبات فلبنان يعتمد فى اقتصادياته على الخارج، الأمر الذى يجعله ينهار اقتصاديًا فى أشهر معدودات إذا لم تكن أقل.
* نقلا عن «العربية»