تحل اليوم الخميس ذكرى وفاة الشاعر إيليا أبو ماضي، الذي يعد واحدًا من أبرز شعراء المهجر في أوائل القرن العشرين، وكان صحفيًا كذلك، ثم اتجه إلى نظم الشعر في الموضوعات الوطنية والسياسية؛ حينها يسلم من مطاردة السلطات، فاضطر للهجرة إلى الولايات المتحدة عام 1912، وفي عام 1929 أصدر مجلة بعنوان "السمير" التي تعد مصدرًا أوليًا لأدبه وآخر أساسيًا في الأدب المهجري، وكتب العديد من الدواوين التي نالت استحسان قرائها، وجاءت من أبرز دواوينه قصيدة "لست أدري" التي كتب فيها:
جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت..
ولقد أبصرت قدامي طريقًا فمشيت..
وسأبقى سائرا إن شئت هذا أم أبيت..
كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟
لست أدري!
أجديد أم قديم أنا في هذا الوجود..
هل أنا حر طليق أم أسير في قيود..
هل أنا قائد نفسي في حياتي أم مقود..
أتمنى أنني أدري ولكن..
لست أدري!
وطريقي، ما طريقي؟ أطويل أم قصير؟
هل أنا أصعد أم أهبط فيه أم أغور..
أأنا السائر في الدرب أم الدرب يسير..
أم كلانا واقف والدهر يجري؟
لست أدري!
أتراني قبلما أصبحت إنسانا سويا..
أتراني كنت محوا أم تراني كنت شيا..
ألهذا اللغز حل أم سيبقى أبديا..
لست أدري.. ولماذا لست أدري؟
لست أدري!
قد سألت البحر هل أنا يا بحر منك؟
هل صحيح ما رواه بعضهم عني وعنك؟
أم ترى ما زعموا زورا وبهتانا وإفك؟
ضحكت أمواجه مني وقالت:
لست أدري!
أيها البحر أتدري كم مضت ألف عليك؟
وهل الشاطىء يدري أنه جاث لديك؟
وهل الأنهار تدري أنها منك إليك؟
ما الذي الأمواج قالت حين ثارت؟
لست أدري!
كم فتاة مثل ليلى وفتى كابن الملوح..
أنفقا الساعات في الشاطىء، تشكو وهو يشرح..
كل ما حدث أصغت وإذا قالت ترنح..
أحفيف الموج سر ضيعاه؟
لست أدري!
إن في صدري يا بحر، لأسرار عجاب..
نزل الستر عليها وأنا كنت الحجاب..
ولذا أزداد بعدا كلما ازددت اقترابا..
وأوراني كلما أوشكت أدري..
لست أدري!
فيك مثلي أيها الجبار أصداف ورمل..
إنما أنت بلا ظل ولي في الأرض ظل..
إنما أنت بلا عقل ولي يا بحر عقل..
فلماذا يا ترى، أمضي وتبقى؟
إن يك الموت قصاصا أي ذنب للطهارة..
واذا كان ثوابا، أي فضل للدعارة..
وإذا كان وما فيه جزاء أو خسارة..
فلم الأسماء إثم وصلاح ؟
لست أدري!
أيها القبر تكلم وأخبرني يا رمام..
هل الطوى احلامك الموت وهل مات الغرام ؟
من هو المائت من عام ومن مليون عام ؟
أصير الوقت في الأرماس محوا؟
لست أدري!
إن يك الموت رقادا بعده صحو جميل..
فلماذ ليس يبقى صحونا هذا الجميل؟
ولماذا المرء لا يدري متى وقت الرحيل؟
ومتى ينكشف الستر فندري؟
لست أدري!