الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

لا تفتح الكبّوت

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بنبرة غاضبة وملامح يكسوها الاستياء، حكى لى صديقى منذ يومين: إنه كان قد ذهب إلى مركز الصيانة المعتمد؛ لإجراء الصيانة الدورية لسيارته، وهناك قاموا بإجراء الفحوصات والصيانة اللازمة، والتى كان من بينها تغيير دورة مياه المحرك، ثم بعد أن انتهى مهندس الصيانة المختص، دفع صديقى الفاتورة واستلم سيارته وانصرف.
وهو فى طريق العودة مرَّ على إحدى محطات الوقود؛ لتزويد السيارة بالبنزين، وأثناء ذلك طلب منه عامل المحطة فتح غطاء المحرك «الكبوت»، فقام بفتحه؛ فنظر العامل نظرة سريعة، ثم قال: إن درجة حرارة السيارة مرتفعة جدًا، وتحتاج إلى تغيير دورة مياه المحرك.. فتعجب صديقى، كيف ذلك، لقد قمت بتغييرها منذ قليل فى مركز الصيانة؟!.. انهال العامل على مركز الصيانة بالسب واللعن، وكيف أنهم لا يقومون بواجبهم تجاه العملاء، فقد انعدمت الضمائر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.. وبعد أن انتهى من لومه وتقريعه لهم، قال: إنهم السبب فيما حدث لسيارتك، فأثناء تغيير دورة المياه دخل هواء إلى المحرك، قال صديقى: وما الحل إذن؟.. يجب سحب هذا الهواء؛ لأنه هو الذى تسبب فى سخونة المحرك، وسوف نقوم هنا بسحبه وبتغيير دورة مياه المحرك كما ينبغى.. وبعد أن انتهى العامل، دفع صديقى الفاتورة وانصرف.
واستأنف صديقى طريق العودة إلى المنزل.. وفجأة ظهر أمامه مؤشرًا ينذر بوجود عطل فى المحرك.. يا لها من ليلة طويلة! هكذا قال صديقى.. وقرر مرغمًا أن يذهب إلى ورشة الميكانيكا المجاورة لمنزله، وحينما ذهب إلى هناك، قال له صاحب الورشة: إن درجة حرارة السيارة مرتفعة، من فضلك: «افتح الكبوت»، وبعد أن نظر نظرة سريعة، قال: إن السيارة تحتاج إلى تغيير دورة مياه المحرك.. حينها صرخ صديقى فى وجهه قائلًا: كيف ذلك، لقد قمت بتغييرها للتو فى محطة وقود قريبة من هنا؟.. فانهال صاحب الورشة بدوره بالسباب على محطات الوقود وعلى من يعملون بها، ثم قال: إنهم السبب فيما حدث لسيارتك، قال صديقى: وما العمل الآن؟ لا تقلق، سوف نقوم هنا بتغيير دورة المياه وسحب الهواء على أكمل وجه وبأقل تكلفة.. وبعد الانتهاء دفع صديقى الفاتورة وأخذ السيارة وانصرف.
وفى اليوم التالى لاحظ أن المشكلة ما زالت قائمة؛ فقد ظهر مؤشر الأعطال من جديد؛ فقرر أن يعود من حيث بدأ؛ فذهب إلى مركز الصيانة المعتمد، وهناك قصَّ على المهندس المسئول ما حدث، فقال له: «هما عملوها فيك؟».. أين هى سيارتك؟.. إنها هذه.. فقال المهندس: «افتح الكبوت».. لقد سئمت من فتح الكبوت.. فقهقه المهندس وتفحَّص السيارة، ثم قال: سوف نقوم بتغيير دورة مياه المحرك...، قال صديقى فى نفسه: ألن ننتهى من تغيير دورة المياه تلك؟!
بعد أن انتهى صديقى من حكايته، قلت له: إنك تعرضت لعملية نصب مكتملة؛ فقد احتال عليك عامل محطة الوقود وأوهمك بأن هناك عطلًا فى السيارة، فى حين أنها لم تكن كذلك.. اذهب إلى المسئول عن تلك المحطة، وأخبره بأنك سوف تقاضيها؛ فأركان جريمة النصب متوافرة، وأنك سوف تطالب كذلك بالتعويض؛ نتيجة الإهمال الجسيم الذى وقع منهم، والذى كان من شأنه تعريض نفسك للخطر وممتلكاتك للتلف.. فانصرف صديقى، ثم عاد إلىّ قائلًا: لقد ذهبت إليهم، وقام المسئول بإعطائى قيمة الفاتورة التى قمت بدفعها، ورفد العامل، واعتذر منى. فقلت له: إن هذه القصة تشبه حياتنا تمامًا، فربما كان الواحد منا يا صديقى يعيش حياته فى هدوء وسلام، ثم يأتى من يحاولون اقتحامها، فنفتح لهم ونستقبلهم، فيعبثوا بها، ثم يرحلون.. لتبقى بعدهم جراح لا تندمل.. فلا نستطيع أن ننسى، ولا يعود الحال كما كان، فتعلَّم يا صديقى ألا تفتح قلبك لكل عابر، أو ألا تترك حياتك لكل عابث.. وألا تفتح الكبوت! .