يرجع اهتمامى بحوار عماد الدين أديب، مع الإرهابى الذى عادت به قواتنا من معركة الواحات لأننى حذرت فى مقال نشرته هنا فى «البوابة»، ومن ضمن ما قلته إن هذا الصيد الثمين لا بد أن يتم التعامل معه إعلاميًا بطريقة محترفة، ولم أشك لحظة واحدة فى قدرة أجهزة الإعلام المصرية على إنتاج وثيقة ممتعة فنيًا وثقيلة معلوماتيًا لتصيب الهدف الذى نرجوه، وهو فضح الإرهاب وكشف وجهه القبيح.
ولكن تمخض الجبل وجاء لنا بصدمة مذهلة عندما راح الإرهابى يصول ويجول ويعرض فكره الخبيث متسللًا من أمام عين عماد الدين أديب حتى جاءت ردود الفعل المحبطة لدى المتابعين، رافضين ذلك الحوار غير المفيد الذى أفسد عليهم انتصارًا إعلاميًا كان من الممكن أن يتحقق بعد انتصار قواتنا فى صحراء الواحات.
الحوار الذى أفسده عماد الدين أديب ليس المحطة الأولى فى طريق عدم الاستفادة من الإمكانيات المصرية، وهى كثيرة فى مجال الإعلام المرئى، ولكن فيما يبدو أن التراجع صار منهجًا، حتى كاد المواطن يشك فى أن ذلك التراجع مخطط له ومقصود، فكيف نفهم أن كل الشاشات الناطقة بالعربية فى العالم تعتمد فى معظمها على كوادر مصرية، بينما نحن فى بلادنا نتلقى الصدمة بعد الصدمة من شاشاتنا التى نراهن عليها كقوى ناعمة وكأداة للتغيير المنشود فى المجتمع.
من ضمن ما كتبت فى مقالى الذى حذرت فيه من إهدار الصيد الثمين فى الحوار مع الإرهابى هو ضرورة الاعتماد على أهل الخبرة والابتعاد قدر المستطاع عن أهل الثقة، ولكن فيما يبدو أن من يقرأ لنا يهز رأسه، مؤيدًا ثم يشرع فى تنفيذ عكس المكتوب تمامًا، وهذا أمر مريب وعجيب، كيف لحوار أول من أعلن عنه للعالم هو رئيس الجمهورية شخصيًا تكون نتائجه صادمة للشارع وللمتابعين، الحوار الذى حظى بأكبر دعاية عالمية يرتد علينا ضررًا فادحًا بسبب سطحية الأسئلة وسوء التقدير.
ومن الحوار الأزمة إلى عناوين أخرى كثيرة ذات علاقة بالبلد وإعلامه، فعلى سبيل المثال أمس الأول تم افتتاح مزرعة سمكية ضخمة بمحافظة كفر الشيخ، ومن الصور الأولى التى تم نشرها نلاحظ أننا أمام حدث عظيم ومجهود خرافى، لتصل المزرعة لما وصلت إليه من تكنولوجيا وخبرة رفيعة وحصاد وفير، هذا الإنجاز على سبيل المثال تم التعامل معه إعلاميًا بما لا يتناسب وحجم المجهود المبذول فيه، لذلك يسأل البعض وأنا منهم هل إمبراطورية الإعلام المصرية لم تصل بعد إلى الكفاءة الاحترافية التى تساعد الناس على فهم ما يجرى حولها؟ أم هناك من يخطط بشكل متعمد لإهالة التراب على جوهرة لدينا؟
سيبقى السؤال مفتوحًا دون رد أو إجابة، وسنواصل الكتابة أملًا فى يوم يأتى إلينا وقد عرف الجميع خطورة ما يحدث فى صروحنا الإعلامية، ابتداء من اختيار فرق الإعداد للمصادر التى تطل علينا من الشاشات وصولًا إلى المنتج النهائى للمادة الإعلامية.
ليس الحل فى تأسيس فضائيات جديدة، وذلك حسبما أعلن رئيس الجمهورية عن التفكير فى تأسيس محطة إخبارية عالمية، ولكن فى حدود فهمى المتواضع هو أن الحل فى تطوير المحطات القائمة بالفعل والابتعاد عن المجاملات التى أرهقت البلاد منذ تأسيس التليفزيون المصرى بداية الستينيات، والابتعاد عن التدخل بفرض «سين» من الناس على الشاشة وإقصاء «صاد» بحجة أن «صاد» دمه ثقيلًا على قلب مسئول ما، المعيار الوحيد الذى نفهمه هو المهنية والأساس هو الجودة والإتقان والإبداع حتى لا يصطدم الناس مع حوار جديد لعماد الدين أديب، ويخرجون مهزومين إعلاميًا.