السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الذاكرة المعطوبة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم أندهش من زيارة «هيلى ماريام»، رئيس وزراء إثيوبيا للدوحة، بعد ساعات من إعلان فشل المفاوضات بين القاهرة وأديس أبابا حول سد النهضة، فزيارة أى منهما للآخر، كانت متوقعة، كما أننى لم أندهش من استقبال سفهاء قطر له على طريقة الغانيات فى الحانات، فسواء حدثت الزيارة، أو لم تحدث، سيدفع السفهاء والحمقى من ثروات الشعب المغلوب على أمره، مقابلا معلوم، بما يعنى أن الزيارة، وإن كانت كاشفة عن عورة حكام الدويلة المارقة، إلا أنها لم تكن صدفة، وليست مفاجئة، فكل شيء محسوب، ويدور وفق مخطط، بداية من محاولات إسقاط الدولة، وليس انتهاءً بالسعى لإدخالها مرحلة الفقر المائى، فى إطار تنفيذ استراتيجية صهيو- أمريكية سابقة التجهيز، مرورا بتمويل الإرهاب الموجه ضد مصر، والذى بدأ بمحاولة اغتيال مبارك فى العاصمة الإثيوبية.
كتبت فى مقالى السابق ما يذهب لتأكيد أن قطر، إحدى عرائس «الماريونيت» التى تحركها أصابع دوائر صناعة القرار الأمريكى، مشيرًا إلى تورط حكامها، فى العديد من الجرائم، التى تهدف إلى تمزيق المنطقة، بهدف تحقيق مطامح بعيدة المنال.
فالطموحات القطرية، قامت بالأساس على مشروعين، هدفهما نشر الفوضى وتوسيع دوائر نفوذها السياسى، لذا عملت على تنفيذهما، بآليات متنوعة، المشروع الأول أطلقت عليه دوائرها الإعلامية مشروع «النهضة»، ويديره جاسم بن سلطان، وهو طبيب درس الطب بالقاهرة فى السبعينيات، وانضم إلى الجماعة المارقة أثناء دراسته، التقى قادة الإخوان، وأصبح، بفلوسه، عضوا فى التنظيم الدولى للجماعة، وبعد عودته إلى الدوحة، عمل على توطيد علاقته بيوسف القرضاوى، وهو ينتمى لجيل عبدالمنعم أبوالفتوح وعصام العريان.
انبثق من المشروع الأول، مشروع آخر، أطلق عليه مسمى «أكاديمية التغيير»، وأوكلت مهام إدارة الأكاديمية فى العاصمة البريطانية «لندن»، إلى طبيب أطفال مغمور اسمه هشام مرسى، زوج ابنة يوسف القرضاوى.
مشروع النهضة، يعمل على تفتيت ثوابت الأنظمة العربية، ثقافيا وسياسيا واقتصاديا، بمعنى أنه مشروع، يؤسس لنظرية فكرية، مضمونها يدور فى تفتيت ثوابت الشعوب وقناعاتها القومية، ويعمل على تغيير أنظمة الحكم العربية، بالحشد ضدها والتنفير من سياساتها، والتشكيك فى وطنية الحكام، وغير ذلك من الأمور، وهو المشروع الذى رفعه القيادى الإخوانى خيرت الشاطر شعارا وبرنامجا لجماعته، ورفعه محمد مرسى أثناء الانتخابات الرئاسية، بما يعنى أن مصطلح النهضة لم يخرج على سطح الحياة السياسية صدفة، ولم يكن صدفة أن يتأسس فى العام نفسه حزب إخوانى يحمل اسم «النهضة» فى تونس، ولم يكن صدفة، أيضًا أن يطلق على سد الألفية فى إثيوبيا اسم «سد النهضة»، خصوصا إذا علمنا بحجم الدعم القطرى لإثيوبيا، وحجم الوجود الإسرائيلى فيها بهدف حصار مصر، والضغط عليها لتمرير المياه إليها عبر سيناء، فهل يمكن لنا أن نتصور زيارة رئيس وزراء إثيوبيا واستقبال «موزة» له صدفة؟..
هناك حوادث أخرى تورطت فيها قطر، لا يمكن إخضاعها للصدفة، حسب تقديرى، فليس صدفة أن تكون محاولة اغتيال الرئيس الأسبق «حسنى مبارك» فى العاصمة الإثيوبية «أديس أبابا» بتاريخ ٢٦ يونيو ١٩٩٥ بتدبير قطرى إخوانى، وبتنسيق بين الجماعة الإسلامية وأسامة بن لادن، الذى كان يقيم فى الخرطوم، وانقلاب حمد بن خليفة على والده بتاريخ ٢٧ يونيو ١٩٩٥، أى فى اليوم التالى مباشرة لمحاولة الاغتيال، ربما يتساءل البعض وما العلاقة بينهما؟.. ما جرى فى إثيوبيا محاولة اغتيال فاشلة، وما حدث فى قطر عملية انقلاب مدبرة من الـ «حمدين»، حمد بن خليفة، وحمد بن جاسم، الذى كان وزيرا لخارجية قطر ومهندس مؤامراتها، فقد كان معلوما لديهما، مسبقا، أن الشيخ خليفة حاكم قطر سيذهب إلى أوروبا فى رحلة علاجية فى التاريخ نفسه، وكان معلوما أيضا موعد القمة الإفريقية فى أديس أبابا، فجرى لقاء بين حمد بن جاسم، وزير خارجية قطر وعلى عثمان طه، وزير خارجية السودان، القريب جدا من حسن الترابى والأخير وثيق الصلة بالقرضاوى، تم الاتفاق على اغتيال مبارك، والتخلص منه فى أديس أبابا، لضمان إشغال الحكام العرب بعملية الاغتيال من ناحية، وضمان عدم حشدهم لمواجهة الانقلاب من ناحية أخرى.
جرى تمويل العملية بمليون دولار، وقتها، استغل عثمان محمد طه منصبه كوزير للخارجية واتفق مع «نافع على نافع»، مدير جهاز الأمن والاستخبارات فى السودان وقتها، وخططا لاغتيال الرئيس المصرى مبارك فى أثناء حضوره مؤتمر القمة الإفريقى بالعاصمة الإثيوبية، وقررا أن تتم العملية بواسطة بعض المصريين المنتمين للجماعة الإسلامية ومدهم بالأسلحة والذخيرة من السودان، وتهريبها عبر «الحقائب الدبلوماسية» إلى سفارة بلاده فى العاصمة الإثيوبية، وقامت السفارة باستلام الشحنة، وسلمتها بدورها للعناصر التى ستقوم بالتنفيذ وهم الإسلاميون المصريون.. إلى بقية ما جرى.
القصة التى سردتها، ليست رواية سمعتها على المصطبة أو المقهى، لكنها اعترافات موثقة فى سجلات محكمة الينوى الأمريكية، والتى كشفت النقاب عنها فى الأيام القليلة الماضية وكالة الاستخبارات المركزية «سى آى إيه». هذه الاعترافات صدرت على لسان شخص سورى الجنسية، اسمه «إنعام الأرناؤوطى» أثناء التحقيق معه فى وقائع غسيل أموال وتمويل العمليات الإرهابية، تضمنت الاعترافات الصلات الغامضة بين أسامة بن لادن وجمعية قطر الخيرية منذ عام ١٩٩٢، وعلاقة القاعدة بجماعة الإخوان، فهذه الجمعية التي يتولى إدارتها من خلف الستار حمد بن جاسم، مولت تنفيذ المحاولة الفاشلة لاغتيال مبارك. الوثائق التي أفرجت عنها المخابرات الأمريكية وجرى تداولها إعلاميا على نطاق واسع، لم تكن وحدها الكاشفة عن تورط قطر فى النيل، فقد كشف حسن الترابى نفسه عن تفاصيل مذهلة، موثقة بالفيديو، عندما حاول التنصل من مسئولية تورطه فى محاولة اغتيال مبارك، فقد أقر بأن العملية جرى تمويلها بمليون دولار، وأن نائبه ووزير خارجيته على عثمان طه، بالتنسيق مع نافع على نافع، رئيس جهاز الأمن العام، هما من هربا السلاح إلى إثيوبيا لتنفيذ المحاولة.. هل كل هذا صدفة؟.. لو اعتبرنا هذا كله مجرد صدفة تلى صدفة، فعلينا الإقرار بأن ذاكرتنا معطوبة!.