الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

كل الطرق تؤدي إلى هناك

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هناك مقولة تقول: «عندما لا تعرف على أين أنت ذاهب، فإن أى طريق ستوصلك إلى هناك»، وهى تلخِّص بشكل جيد التباين الموجود بين الرئيس الصينى «شى جين بينج» والرئيس الأمريكى دونالد ترامب.
فـ«شى» كان بارعًا فى اللعب ضد ترامب، حيث أغدق عليه الثناء والتنازلات التجارية قصيرة المدى، وصرف انتباهه عن الاختلالات التجارية البنيوية مع الصين، وبالتوازى مع ذلك، يُبقى «شى» عينيه مركَّزتين على الجائزة طويلة المدى المتمثلة فى جعل الصين عظيمة من جديد، وفى الأثناء، يروِّج ترامب لكل انتصار صغير باعتباره تاريخيًا ويسلك أى طريقا تمنحه شعورًا جيدًا وانتشاء سريعًا، ولكن ترامب وخلافًا لـ«شى»، لم يفكر فى الأسئلة الكبيرة التى يبدأ أى زعيم يومه بها: ما العالم الذى أعيش فيه؟ وما أكبر الاتجاهات فى هذا العالم؟ وكيف يمكن أن أعدِّل اتجاه بلدى، حتى يستطيع عدد أكبر من المواطنين الاستفادة بأكبر قدر ممكن من هذه الاتجاهات والتخفيف من أسوأها؟ ولكن ما العالم الذى نعيش فيه؟ إنه عالم نمرّ فيه من ثلاث، «تغيرات مناخية» فى وقت واحد، فنحن نمرّ من تغير فى المناخ الحقيقى، تغير تتسارع فيه الأحداث المناخية المدمرة وتدهور الأنظمة البيئية بشكل مطرد. ونمرّ من تغير فى «مناخ» العولمة: من عالم مترابط إلى عالم يعتمد بعضه على بعض، ومن عالم الجدران، حيث يبنى المرء ثروته عبر جمع الموارد، إلى عالم الشبكات، حيث يزدهر المرء عبر ربط مواطنيه بأكبر تدفق للأفكار والتجارة والابتكار والتعليم.
وأخيرًا، نمرّ من تغير فى «مناخ» التكنولوجيا والعمل: فالآلات أخذت تكتسب كل الحواس الخمس، ومع البيانات الكبيرة والذكاء الاصطناعى، بات باستطاعة كل شركة اليوم تحليل وتحسين واستشراف وتكييف ورقمنة و«أتمتة» مزيد من الوظائف والمنتجات والخدمات، والشركات التى لا تفعل ذلك، ستختفى وتندثر. ولكن كيف ترد الصين على كل هذه التحولات؟ بخصوص التغير فى المناخ، تستثمر الصين بشكل كبير جدًا فى الطاقة النظيفة والمركبات الكهربائية- لأن شعبها لن يستطيع التنفس، إنْ هى لم تفعل، ولأنها تدرك أنه فى عالم سيزداد عدد سكانه بمليار نسمة إضافية بحلول نحو العام ٢٠٣٠، فإن الطاقة النظيفة وفاعلية الطاقة ووسائل النقل ستكون هى الصناعة العالمية العظيمة التالية، وإلا فلا أحد فى أى مكان فى العالم سيستطيع التنفس، وردًا على العالم الأكثر ترابطًا، تعمل الصين على تعميق علاقاتها مع كل الأسواق الآسيوية التى تنمو بسرعة حولها من خلال مشروع «حزام واحد، طريق واحد» وبنكها «بنك التنمية الآسيوى»، بينما تسيطر بإحكام على سوقها الخاصة، وهو ما أُسميه «العولمة لى، ولكن ليس لك». ذلك أنه بينما تشيد الصين بالعولمة، فإنها تفرض رسومًا جمركية قدرها ٢٥ فى المائة على السيارات المستوردة ومشاريع مشتركة ونقل التكنولوجيا على الشركات الكبيرة، التى تريد الوصول إلى سوق الصين العملاقة.
أما بخصوص التكنولوجيا، فإن الصين تنكب على مخطط يدعى «صنع فى الصين ٢٠١٥» يستثمر الأموال والبحوث الحكومية لتسويق ١٠ صناعات استراتيجية ووضع قوانين وسرقة الملكية الفكرية من الخارج لجعلها تنمو بسرعة. هذه الصناعات تشمل المركبات الكهربائية، والمواد الجديدة، والذكاء الاصطناعى، والدوائر الإلكترونية المتكاملة، والصيدلة البيولوجية، والحوسبة الكمية، واتصالات الهاتف المتحرك والجيل الخامس من شبكات الاتصال، والروبوتات. ولكن ماذا عن ترامب؟ بخصوص تغير المناخ، يشجّع ترامب الفحم على الطاقة النظيفة، مثل طاقة الرياح أو الشمسية، كما عيّن أشخاصًا معروفين بإنكارهم لتغير المناخ فى كل المناصب البيئية المهمة، وبينما تدار الصين من قبل مهندسين، فإن ترامب ليس لديه مستشار علمى، وبخصوص العولمة، مزّق ترامب اتفاقية «الشراكة عبر المحيط الهادى»، التى كانت ستضعه على رأس تكتل تجارى من ١٢ دولة (من دون الصين)، مبنى على القيم والمصالح الأمريكية، وكانت ستزيل ١٨ ألف تعريفة على الصادرات الأمريكية إلى بلدان تسيطر، مع الولايات المتحدة، على ٤٠ فى المائة من الناتج المحلى الخام العالمى. أما بخصوص تغير مناخ التكنولوجيا، فإن ترامب يدفع بمشروع قانون خاص بالضرائب لا يستند إلى تحليل للتكنولوجيات الصاعدة، وكيف يمكن أن نصلح قوانينا الضريبية من أجل تحفيز مزيد من الاستثمار فيها، بل إن مشروع القانون سيقضى، فى حال تمريره، على الائتمان الضريبى بالنسبة للسيارات الكهربائية والذى يبلغ ٧٥٠٠ دولار، وسيقلّص الائتمانات الضريبية المهمة جدًا لدعم وتشجيع مشاريع الطاقة الريحية، وسيفرض ضريبة على أوقاف أغنى كلياتنا، أوقاف تستخدمها كلياتنا حاليًا من أجل تمويل البحوث وتقديم المنح للطلبة المحتاجين. والآن بتم تعرفون لماذا كان الصينيون سعداء جدًا بتخصيص ذلك الاستقبال الحار لترامب فى بكين.
نقلا عن الاتحاد الإماراتى