أخيرًا آن الأوان لسقوط أقنعة النشطاء التي طالما ارتدوها منذ قبيل ثورة ٢٥ يناير حتى وقتٍ قريب؛ ففى قُرابة عشرة أيام فقط سقط القناع عن اثنيْن من هؤلاء النشطاء، القناع الذي طالما التصق بالوجه حتى أصبح جزءًا منه، الآن تسقط الأقنعة ولكن مع أجزاء من الوجوه التي طالما التصقت بها، لكي تخلف وراءها وجوهًا شائهة لا يتحمل المرء مطالعتها لكثرة ما طغى عليها من القبح والدمامة.. الشخص الأول يطلق على نفسه لقب «الناشط الحقوقي» والكائنة الثانية تُطلق على نفسها لقب «الناشطة السياسية»، والسياسة وحقوق الإنسان منهما براء؛ فليست هكذا تُمارس السياسة، وليست هكذا تصل ثقافة حقوق الإنسان إلى جماهير الشعب المصري المتحضر الذي يرفض الإسفاف ويحترم رموزه وقياداته.
فأولى الأثافي هو ذلك «الناشط» الحقوقي الذي خرج على الناس مرفوعًا على أعناق السوقة والدهماء، وهو يلوح بإصبع واحد من كلتا يديه في الطريق العام، وهي حركة بذيئة تندرج تحت مسمى «الفعل الفاضح» في الطريق العام، هل هذا حقًا محام يعلم ما للطريق من حُرمة؟ وهل درس القانون جيدًا حتى لا يقع تحت طائلته بحركته البذيئة الرعناء؟ وهل هو حقوقي فعلًا وله إسهامات حقيقية فى مجال حقوق الإنسان، وهل من بين حقوقه أن يُشهر إصبعه في وجه الناس في الشارع، وهل من حق الناس عليه أن يُعلمهم حقوق الإنسان من خلال أن هذه الحقوق تتضمن تلك الحركات البذيئة التي تخدش الحياء العام؟
فارق كبير بين الناشط الحقوقي «أبو إصبع» والقائد العسكري المصري المهيب إبراهيم (باشا) ابن محمد علي (باشا)، والذي يُلقبه العامة من خلال تمثاله الشهير الكائن في ميدان الأوبرا والذي قام على صنعه المثال الفرنسي الشهير «كوردييه» بـ«أبو إصبع».. وربما كان المثال «كوردييه» يقصد من إشارة إبراهيم (باشا) بإصبعه، أنه كان يشير إلى أعدائه الذين سحقهم فى معاركه التي خاضها باسم الدولة المصرية الحديثة، أو ربما يشير إلى قواده وجنوده لكي يزحفوا لقهر الأعداء، يكفي أن قاعدة تمثاله يوجد عليها لوحتان لانتصاراته في معركتي «عكا» و«نزيب» ضد الإمبراطورية العثمانية التي كانت مصر إحدى ولاياتها في ذلك الزمان الغابر، وهذا ما كان يبرر احتجاج الدولة العثمانية على وضع هاتيْن اللوحتيْن على قاعدة التمثال في عهد الخديو إسماعيل، حيث لم توضع هاتيْن اللوحتيْن على قاعدة التمثال إلا عام ١٩٤٨ عند الاحتفال بمرور مائة عام على وفاة إبراهيم (باشا).
هذا هو القائد العسكرى المصرى إبراهيم (باشا) وهذا هو سر إشارة إصبعه، فما سر إشارة إصبع ذلك الناشط الحقوقي التي صدمت ملايين المصريين أطفالًا ونساءً وشبابًا، بل آلم ذلك الأباء والشيوخ على المستوى الرديء الذي وصل إليه الأبناء في هذا الزمن الذي اختلت فيه المنظومة الأخلاقية في التعبير عن الرأي وضرورة احترام آراء الآخرين وأن الخلاف في الرأي لا يُفسد للود قضية وأنه لا فُجْرَ في الخصومة.
وثانية الأثافى هي نشر الناشطة السياسية صورها وهي ترتدي المايوه المزركش و«الهوت شورت» على شواطئ الغردقة، مقتديةً بمثلها الأعلى التي كادت أن تحرق مصر والمنطقة العربية السيدة هيلارى كلينتون، التي تآمرت علينا وعلى ثورتنا ضد جماعة «الإخوان» الإرهابية، فرد الله كيدها إلى نحرها، لتسقط سقوطًا مروعًا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية السابقة أمام أحد هواة السياسة ومحترفي الصفقات.. لقد صدق الناس تلك الفتاة المحجبة التي تصنعت البراءة حين دعت على الفيس بوك إلى إضراب ٦ إبريل ٢٠٠٨، ولكن شاءت إرادة الله أن تسقط الأقنعة وتتلاشى البراءة وتنفك الأحجبة.. كانت تلك الفتاة من الناشطات، كما أنها كانت ترتدي الحجاب، ولكن وبشكل مفاجئ هذه الأيام تغير الحال كما تغير كل شيء في مصر، وانتقلت الناشطة من الحجاب إلى المايوه الفاضح، وتم تداول صورها بقوة على شبكات التواصل الاجتماعي التي طالما استخدمتها لصالح أهدافها المشبوهة، فإذا بها تنقلب ضدها، حيث تلقفت هذه الشبكات صورها والتي قامت هى بنشرها على حسابها الشخصى، وانتشرت الصور على مواقع التواصل الاجتماعى كالنار فى الهشيم، وتعجب النشطاء قائلين: «أهذه هى الناشطة الثورية والمناضلة تنشر صورًا فاضحة لنفسها وهى على البحر بالمايوه الساخن».
عاصفة من السخرية والاتهامات بين مدافع عن الحرية الشخصية، مؤيد للانتقاد على أن إسراء شخصية عامة، دار حولها الجدل وأثيرت التساؤلات عن مصدر ثروتها والتغيرات الطارئة على حياتها فجأة من النقيض للنقيض.. قال أحدهم معلقًا على الصور إنها مشاهد ثورية من النوع «اللي يقطع القلب»، في إشارة إلى مواقف إسراء عبد الفتاح السابقة، والأزمات التي أثارتها وخاصة فيما يخص مسألة التمويلات الخارجية.. وعلق آخر بأن الناشطة الفيس بوكية تثير الثورات، ولكن لا تثير الشهوات، متهكمًا على شكلها في الصور بالمايوه الذي بدت بداخله ممتلئة مكتنزة ومش عاملة «دايت» حتى يبدو جسمها رشيقًا جذابًا يُغرى على النظر إليه أو التحديق فيه.
أما ثالثة الأثافي فهي إعلان الناشط الحقوقي ترشحه للرئاسة، وكأنه فاكر إنه هيبقى «شيخ حارة» يمارس فيها متلازمة الأخلاقيات المتدنية لبعض الحارات والأزقة التي ينتشر فيها «الردح» والإشارات البذيئة بالأيدي والأصابع والأصوات القبيحة.. إن مقام رئاسة الدولة المصرية يجب ألا يتسع لهكذا مرشحين تخلوا عن الأخلاقيات في أدبيات التعبير عن الرأي والاختلاف فيه.. وربما تشهد الانتخابات الرئاسية مشهدًا عبثيًا آخر بترشح الناشطة السياسية ذات المايوه للرئاسة، اعتمادًا على أنها «مرشحة الشباب» بعد نشر صورها بالمايوه الساخن خلافًا للتقاليد والأعراف المصرية.
يقيني أنه إذا ترشح رسميًا الناشط الحقوقي «أبو إصبع» والناشطة السياسية «ذات المايوه» فإنهما سيحتلان المركزيْن الثالث والرابع بعد الأصوات الباطلة التي ستحصل كالعادة على المركز الثاني، وكل من أتى في نتيجة الانتخابات الرئاسية القادمة بعد الأصوات الباطلة فهو باطل.. باطل.. واسألوا حمدين صباحي.