كشفت أحداث يناير لعام ٢٠١١، عورة التجربة الحزبية المصرية من حيث إنها فشلت فى ملء الفضاء السياسى ببرامج تعالج أزمات الوطن؛ وعجزت عن تقديم كوادر شبابية ناضجة تستطيع استيعاب مقتضيات اللحظة الثورية على نحو يحول دون شيوع الفوضى وأجواء العنف والتى عايشناها جميعا.
ورغم أن انتفاضة يناير كانت شبابية الطابع إلا أن عقد شباب الأحزاب سرعان ما انفرط فى مئات الائتلافات والحركات السياسية التى برعت فى إطلاق الصراخ الخالى من أى معنى.
وإذا كانت الأحزاب السياسية جادة فى معالجة مشكلة الشباب، فإن عليها النظر إلى تجربة يناير بقدر كبير من التأمل بهدف تحليل تفاعلاتها الشبابية وما أفضت إليه، ونظرة سريعة لكل ما جرى، تكشف للوهلة الأولى أن أغلبية الشباب الذى انخرط فى انتفاضة يناير افتقد القدرة على إدارة الحوار فيما بينه ولم يطرح على المجتمع تصوارت واضحة سواء لإعادة تشكيل هياكله السياسية، أو رسم ملامح الطريق الذى يمضى عليه ليحقق أحلام فعله الثورى ضد نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك.
الأكثر من ذلك أن هذا الشباب المندفع نحو المشاركة السياسية بدى محبا للظهور مرتديا قناع الزعامة وهو ما عبرت عنه كثرة الحركات والائتلافات التى شكل أغلبها بضعة أفراد، لاهثا وراء الشعارات الرنانة ظنا منه أنها وحدها تقدم أيديولوجيات واستراتيجيات متكاملة للتعامل مع مشكلات الوطن.
للأسف شباب يناير لم يقدم للمصريين سوى أحلامه دون أن يعرف السبيل الصحيح لتصبح حقائق على الأرض وهو فى نهاية الأمر نتاج للتجربة الحزبية التى سبقت يناير ٢٠١١، لذلك كان من السهل على مجموعة من الشباب الممول والمنظم فى أطر صاغتها أجهزة استخبارات أجنبية، أن يقود الانتفاضة الشبابية بكل مفرداتها نحو سيناريوهات الفوضى والعنف.
اليوم وبعد مرور ٧ سنوات لم تبرح أحزابنا مكانها بما فى ذلك الحديث منها الذى تشكل فى رحم يناير ولا تزال تلقن شبابها ذات الدروس القديمة، متبعة أسلوب الكتاتيب القائم على الحفظ لا الفهم والوعى.
الأصوات المعارضة استمرأت حالة انتقاض الدولة واتهامها على طول الخط بمعاداة الشباب وتهميشهم دون أن تقدم فكرة واحدة على طريق تدريب الشباب وتأهيلهم ليكونوا فاعلين سياسيين، فعلى ما يبدو أنها تفضل الجلوس دائما فى مقعد الموجه.
الدولة من جانبها أدركت حقيقة المشكلة، فابتكرت مؤتمرات الشباب لتكون منصة للتدريب العملى على الحوار وتجريب الأفكار ووضعها فى ميزان الخطأ والصواب وهى بذلك تسعى لتهذيب حماسة الشباب حتى ينطلق بكامل طاقته داخل أطر علمية وممنهجة على نحو يصقل خبرته فى صياغة الرؤية ويطلق العنان لحماسه فى تنفيذها بشكل منظم.
منتدى الشباب العالمى بشرم الشيخ نقل منصة الحوار والتدريب والتهذيب تلك إلى مستواها العالمى، ولأن الدولة بطبيعتها ليست حزبا قائما على أيديولوجية ولا تتحرك بآليات الأحزاب السياسية كان منطقيا أن تنعكس تلك الطبيعة على عملية التدريب وآلية الحوار وموضوعاته، ومع ذلك أظن أن بوسع الأحزاب السياسية الاستفادة من تجربة الدولة فى تعاملها مع الشباب، ومن التوصيات التى صدرت عن مؤتمراته ومنتدياته، لا سيما التى نتجت عن منتدى الشباب العالمى.
فمن التوصيات التى يمكن تطبيقها على المستوى الحزبى توصية منتدى الشباب بإنشاء مركز للحوار العربى والإفريقى والعالمى، وتوصية قيام اللجنة المنظمة للمنتدى بتشكيل لجنة من الخبراء لصياغة استراتيجية لمعالجة مشكلة الهجرة غير المنتظمة ومشكلات أخرى يعانيها العالم، حيث تستطيع الأحزاب المصرية إنشاء منتدى يجمع شبابها لتدريبهم على آليات الحوار وطرح الرؤى المخلتفة تجاه قضايا وأزمات الوطن كلا بحسب الخلفية السياسية والأيدلوجية التى يتبناها حزبه على أن يشمل المنتدى محافظات الجمهورية ليشكل منتدى مركزى فى العاصمة وليكون خطوة تمهيدية ليجتمع هؤلاء الشباب لتشكيل لجنة من السياسيين والخبراء التقنيين تقوم على صياغة برامج واستراتيجيات تتعامل مع مشكلات مجتمعنا وتعالج أوجه القصور لدى الدولة وأجهزتها التنفيذية.
هنا ستحقق وبشكل عملى فرصة تقديم رؤى سياسية واقتصادية واجتماعية مغايرة لما تطرحه الحكومة، علاوة على أنها فرصة حقيقية لعمل برنامج حزبى لتدريب وتأهيل الشباب سياسيا يوازى ويكمل دور البرنامج الرئاسى.