يومان أجاهد قلمي لكي لا أكتب، يومان أحاول أن أتعلم النسيان لأن ذهني أنهكه التضاد في الصور والمواقف، أنا أحب هذا البلد إلى حد الثمالة، لكني في أوقات كثيرة أجافيه ويجافيني.. أشعر أنه يعطي وجهًا لمن لا يستحق ويركلني أنا المحب بقدمه.. في يوم ما كلفت بحضور حفل لتوقيع كتاب في أحد فنادق القاهرة.. تلك الفنادق التي تقبع على شاطئ النيل منذ أمد.. والذي لا يعرف معظم المصريين نطق حتى اسمها.. هم فقط ينجذبون نحو الأنوار التي تبزغ عليها إذا ما أقدم الليل، يتنسمون روائح من يدخلوها وكأنهم من كوكب آخر، يجلسون القرفصاء أمامها بغية أن يروا حورية من العين تخرج، كخروج حورية على هدد بطل الملاكمة المغمور.. فظنهم أن تلك هي الجنان وأنهم حرموا منها لأنهم يتعاملون بفئة الجنيه الذي لا كرامة له داخل تلك الفنادق، إنما آخر كرامته وتبجليه لدى بائع الشاي على الرصيف المقابل، فركت وجه حذائي في أرجل بنطالي، كما أفرك وجهي في وسادتي كل ليلة علني أنهض من نومي بلا أفكار ولا تخيالات، لكن الحذاء أبى اللمعان كما أبت رأسي، دلفت إلى الداخل مع زميل ارتدى حلة ورباطة عنق ليواكب الحدث، لكني آثرت أن أكون مميزا "بشرزي" الذي يحمل معاناتي اليومية.. دخل صديقي القاعة على شاكلة سعاد حسني في فيلم صغيرة على الحب يريد من كل شيء، وأنا أقف له بالمرصاد على طريقة عم حزنبول، بل إنني في بعض الأوقات طلبت منه أن نرحل من هذا الحفل.. فكيف يكون حفل توقيع كتاب لرجل لم يمسك في حياته قلما فإصبعيه دوما كانتا مشغولة بالسيجار.. حفل توقيع خلى من المثقفين والأدباء والروائيين والشعراء إلا مجموعة من المذيعات جاءت وكأنها مدعوة لعرض أزياء ومجموعة من أصحاب الكروت المطبوعة حديثًا والذين جاءوا ليوزعوا كروتهم لعل إحدى المذيعات تأتي به يومًا ضيفًا.. يتحدث في أي شيء تطلبه منه شريطة أن يراه أولاده وأحفاده في التلفاز.. هؤلاء سينشدون لأي أحد وإذا ما سقط سيبصقون عليه، صفقوا لكاتب صنعوه ولكتاب لا يقرأ.. تذكرت حينها عبدالله ذلك الشاب المصري البسيط الذي كان يطوف عربات المترو يوزع ديوانًا له.. كتبه بخط يده ولم يجد دار نشر تتولى طباعته لأن عبدالله لا يعرف أحد لأن عبدالله طالب جامعي يبيع جرائد.. فأحلامه تتلاشى.. منتهى أمال عبدالله كانت أن تصل كلماته للناس وها قد أوصلها بطريقته.. أما أنتم فما هو منتهى أمالكم يا من أقمتم حفل التوقيع.. أخذتم كل شيء زيفا وكذبا.. كنتم سماسرة جيدين ربحتم أموالًا كثيرة لكن إن كانت مصر اليوم لكم.. فغدًا لي أنا وعبدالله.. لعنني صديق وهو ينظف التراب من على مؤخرته بعد أن كومنا الأمن على الرصيف بجانب نصبة الشاي.. قائلا لي هذا مكانك الطبيعي طول عمرك هتفضل وش فقر.. هتفضل زي الواد بتاع السميط ده يا بني اتعلم تهز وسطك.. نجوم مجتمعك هم دول.
آراء حرة
حفل توقيع
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق