خطوة نسائية أدبية حققتها الروائية الليبية وبِهمةٍ عالية قياسا بالظروف الحاصلة إذ تصل إلى ترسيخ اسمها ووطنها فى جائزة عالمية للرواية لها وقعها وصداها (جائزة البوكر) فى نسختها العربية (٢٠١٧) الدورة العاشرة، حازتها ترشيحا لقائمتيها الطويلة والقصيرة الروائية نجوى بن شتوان عبر إصدار دار الساقى «زرايب العبيد»، الرواية ترصد تاريخ وعوالم شريحة مُهمشة، فهُم عبيد أحضروا عبر تجارة الرقيق التى كانت شائعة طوال التاريخ البشرى وحتى أوائل القرن العشرين فى العالم، وفى مدينة بنغازى بعد إلغاء العبودية استقروا بزرائب على شاطئ حى الصابري، وهو المدخل الشرقى لمدينة بنغازى فعُرف حيهُم بزرائب العبيد، بطلة الرواية «تعويضة» كانت عبدة، مفعولا بها مضامة مظلومة تدفع ثمن علاقة محظورة بابن سيدها «محمد» وتفقد رضيعها بفعل فاعل وعن سبق إصرار من الجد التاجر «الحاج أحمد الكبير»، وزوجته اللا عايشة، ويصبح مصيرها رهن ظروف اجتماعية واقتصادية قاسية تُلقى بها فى أتون ورحى المجاعة والمرض وبؤس عقاب المُعيل اذ ترزح تحت نير زوج مخصٍ أو من يتصيدها كأنثى فى أقدم مهنة أو مُشتريها نظير ديّن «الفقيه»، تأخذنا الرواية فى أكثر من حكاية تتوالد من خلال تلك العوالم والتى نُغالب أثرها المأساوى فينا ونحتملُ وقعها مما تحمله ذاكرتنا الشعبية من قساوة وضنك حياة تلك الشريحة حين تكسره الروائية «نجوى بن شتوان» بمزيج من الأسطورة والأغنية والأقوال المأثورة والقيم والعادات والتقاليد التى غيبها الزمان، كما يُحسب للرواية توثيقها الزمكانى لما جرى فى بقعة بمدينة ليبية تمثل عاصمة البلاد الثانية لها تاريخها الإنثربولوجى المجتمعى الذى حُجب ولحقه التهميش والنسيان، وإن فى جعبة أصيلها ومفكرها الروائى الصادق النيهوم تمهيدا عميقا لذلك فى روايته «من مكة إلى هنا».. وتبقى الإشارة إلى أنه ما فى رواية «زرائب العبيد» ما يجعلنا نتوقع أن تحرز قصب السبق وتجنى جائزة البوكر الأولى أيضا.
وقبل... فى مشهد أعوام ما بعد فبراير برز الإنتاج الروائى لتاء التأنيث، فالمناخ أتاح بعد فبراير لنتاج روائي نسائى أن يكشف خبايا تاريخ ومجتمع كان مسكوتا عنه، ومن ذلك ما دونته أستاذة الأدب والنقد فاطمة الحاجى فى روايتها الأولى «صراخ الطابق السفلي»، وفاطمة الحاجى تُسجل سبقا ليبيا نسويا بكونها عضوة بلجنة تحكيم جائزة البوكر لسنة ٢٠١٧.
أما الباحثة فى أدب الطفل فريدة المصرى فى روايتها البكر «أسطورة البحر – رواية الروح» ،فتعرض لنا أحوال طرابلس بعائلاتها وشوارعها وأحيائها التى تعبق بالياسمين الطرابلسي، وتذهب بنا الكاتبة الصحفية عائشة إبراهيم فى بقعة نذر السرد منها وعنها مدينة «بنى وليد» إذ تزخر الرواية بتفاصيل ذات خصوصية تاريخية وأثرية أركولوجية ترتبط بالمدينة، وسيط ذلك بطلها «قصيل» حامل اسم الرواية. فيما تنشغل الشاعرة عائشة المغربى بالغربة والاغتراب بسيرة يقع مجالها بين بنغازى وباريس فى روايتها الأولى «يحدُث» ٢٠١٢ إصدار دار أروقة (اليمنية) بالقاهرة، أما نهلة العربى الصحفية فتفتح نافذة سردية كاشفة عن حوادث الفساد الذى ينخر المؤسسات قبل الثورة وبعدها وتمسك بإحداها فى روايتها «الساحر» ٢٠١٣.
أما الروائية التى لا تكف عن طرح أسئلتها مخترقة تابوات الجنس والسياسة والدين المحامية وفاء البوعيسى فتنجز روايتها الرابعة ٢٠١٣ «توليب مانيا»، فمن مهجرها تراجع سيرة الرحيل المُر أهلا وعشيرة ورفاق مهنة من اتفقوا على نبذها والنيل من حقها فى كتابة رواية تمس تابوات دينية ومجتمعية.
الروائية عائشة الأصفر دارسة الفلسفة القادمة من الجنوب تُلفت انتباهنا وتصدمنا بروايتها «اغتصاب محظية» ٢٠١٢، الرواية الرمزية الناقدة، والتى تشى بما تحمله الكاتبة من مخزون تاريخى تنتقيه وفق سياق لا يتغير فيه التسلسل التاريخى بل تُعمل فيه مُخيلتها بما اتفق أو لم يتفق مع ما ننتظره.
نهضة روائية تقودها كاتبات اليوم من لهن انشغالاتهن أيضا فى الصحافة والإعلام والبحث الأدبى أيضا، مايُذكرنا بجيل المُؤسسات للرواية الليبية منذ نصف قرن: مرضية النعاس، ونادرة العويتي، وشريفة القيادى وغيرهن، ويبدو أن من يحملن المشعل اليوم يُكملن المسير ويسجلن حضورهن لنشرع من جديد فى البناء عقب مخاض عسير وتركةٍ صعبة.