الثلاثاء 05 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

"بروتين كامل السُمّ".. تحقيق استقصائي يكشف غش صناعة الأعلاف

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 

الاقتراب من ملف الغذاء فى مصر مسألة أقرب إلى المغامرة المحفوفة بالمخاطر، سلوك شائكة تحاصره، وألغام شديدة الخطورة ترقد بجواره وأسفله، ورغم هذا وغيره قررنا الاقتراب من الملف الساخن عبر بوابة الأعلاف التى تتغذى عليها الدواجن والأسماك والماشية.

بلُغة الأرقام، تستورد مصر ما يُقارب نصف استهلاكها من اللحوم سنويًا، كما تفقد مزارع الدواجن والطيور نحو 60% من إنتاجها، خاصة فى فصل الشتاء ويكون فيها «المُربى الصغير» أكثر المُتضررين، بالإضافة إلى تقلُّص حجم إنتاج الأسماك بالمُقارنة لإنتاج مصر مُنذ 10 سنوات ماضية، ويظل المُشترك بين أزمات قطاعات؛ الدواجن والماشية والأسماك، ما تتغذى عليه تلك الحيوانات.

يكشف استقصائى «البوابة»، الذى استغرق نحو شهرين كاملين من البحث والتقصي، خبايا مصانع إنتاج «بروتين الأعلاف المغشوش» من مُخلفات المجازر، والذى يُعد بمثابة الحلقة الأولى والأساسية فى عجلة صناعة العلائق والأعلاف فى مصر، بداية من مُخالفة تلك المصانع للاشتراطات البيئة لإنشائها وعدم حصول أىٍّ منها على ترخيص، مرورًا باستخدامها لمُدخلات غير صالحة كالحيوانات النافقة والمُصابة بالأمراض، عبورًا بإنتاجها بروتين حيوانى لا يتضمن أى قيمة غذائية يقضى على مناعة الطيور والحيوانات التى تتغذى عليها، وصولًا بالسموم الفطرية التى تحتوى عليها تلك البروتينات وتنتقل بدورها إلى الإنسان فتؤثر فى الكبد ونشاط الكلية والهرمونات والخلايا العصبية.


"الصف".. هنا قلاع الدمار المحصنه

هنا «عرب الشُرفا»، القرية التى تصدر الموت وتتآمر على الكبد المصرى، تقع جنوب الجيزة، وتتبع مركز الصف، وينتشر داخلها عدد كبير من مصانع إنتاج بروتين الأعلاف، من مُخلفات المجازر، غير المرخصة والمدمرة للصحة.

بدأت الرحلة إلى «الشُرفا» من منطقة عين حلوان، مرورًا بقرية عرب أبوساعد، حيث تلمح، على مدى بصرك، أدخنة مصانع الطوب الطفلى، المُنتشرة على طريق «الأوتوستراد»، تخرُج من أعلى مداخن تلك المصانع لتُحيط بالقُرى من كل الجهات، كما تَلمح أيضًا عششًا، على عمق من الطريق، جهة اليمين واليسار، ربما لمصانع تقوم بأنشطة صناعية مشبوهة.

الطُرق المؤدية إلى القرية أشبه بأنها «مَدَقات»، فهى مُلتوية، غير مُمهدة، على جنباتها أكوام من القمامة المُشتعلة تحتها النيران، وصولًا بـ«الشُرفا».

نشأت صناعة بروتينات الأعلاف من مُخلفات المجازر بـ«الشُرفا»، التى تبعُد 30 كيلومترا جنوب حلوان، منذ حوالى 5 سنوات، بحسب «أ. ن»، أحد الأهالى، مُشيرًا إلى أن أصحابها من أبناء قُرى مركز الصف، بمُشاركة مُستثمرين من خارجها، وهو الأمر الذى يُصعب من عملية إخطار الجهات الرقابية عنها، كونها صناعة مُخالفة، ويُضيف: «البلد كُلها محدش فيها بيسأل فى المصانع دى.. فأنا هتنطط وأبلغ عنها ليه وأجيب لنفسى المشاكل؟».

وبمساعدة «ش.أ»، أحد أبناء القرية، تَمَكنت «البوابة» من التواصل مع «خَفَر» واحد من تلك المصانع، وإخباره بأن شقيق كاتب التحقيق بصدد افتتاح مصنع للأعلاف بمنطقة صفط اللبن وبحاجة إلى كميات كبيرة من بروتينات الأعلاف لبدء عجلة الإنتاج، فجاء الرد سريعًا بأنه فى طريقه إلينا، مختتمًا حديثه عبر الهاتف وهو ينوّه بأنه فى حالة الاتفاق مع صاحب المصنع على الأسعار والتوريد سنتكلف أيضًا مبلغًا إضافيًا نظير تأمينه لسيارات شحن البروتينات الخاصة بنا وعدم اعتراضها بأى شكل من الأشكال.

خلال فترة انتظار وصول الخفير، تَحَدث صاحب الخمسين ربيعًا، حمادة جمال، عن أن أبناء قرية الشُرفا يعانون من التلوث بشتى أنواعه، حيث ينتشر بها ويُحيطها، مصانع الطوب والأسمدة وبروتينات الأعلاف، التى تصدر لهم روائح كريهة على مدار 24 ساعة، وهو ما نتج عنه زيادة فى نسب انتشار الإجهاض بين الحوامل وتشوهات الأجنة والأطفال ذوى الإعاقات المُختلفة، وأيضًا تحول 1800 فدان زراعى إلى أرض بور خلال 30 عاما، قبل أن يقطع جُملة الشكاوى وصول الخفير، «س.ع».

بجلباب أبيض، ولهجة أقرب إلى لهجة البدو، طَلَب منا الشاب الثلاثينى ركوب سيارة رُبع نقل كانت بانتظارنا، مع تأكيده بضرورة الوصول قبل مَغيب الشمس، وذلك لأن صاحب المصنع يعود إلى منزله بعد هذا الوقت.

25 دقيقة تفصل بين كتلة مبانى القرية والمصنع، لم تهدأ خلالها السيارة من «مطبات» الطريق. المصنع مُقام بمنطقة صحراوية، شرق الكتلة السكنية وبمسافة لا تتعدى 2 إلى 3 كيلومترات عن أقرب المنازل، تُسمى «الترعة»، نسبة إلى ترعة كوم أمبو، التى تحد أطراف قُرى مركز الصف وتستخدمها شركات الحديد والصُلب وتصنيع الكيماويات لإلقاء مخلفاتها، تحديدًا بجوار كوبرى «عودة» وبعد قطع شوط على طريق المحاجر.

وخلال تلك المسافة التى قطعتها السيارة شاهدت «البوابة» سيارتى نصف نقل، مُحملتين بـ6 إلى 8 براميل كبيرة خلف كل واحدة منهما، وبسؤال السائق عنهما قال: «دى عربيات بتلم المُخلفات من كل مجازر الصف، ولو فيه حيوانات ميتة برضو بتلمها وبتدخلها للمصنع.. وعندك كمان بتوع الخُردة بيلموا العظم ويوردوه للمصانع دى»، كما شوهد سيارة ثالثة خارجة من المصنع بعد تفريغ حمولتها.

تزيد مساحة المصنع على 700 متر، مُحاطة بسور بارتفاع 3 أمتار على يسار بوابة دخول المصنع مبنى مكون من طابقين، ثم بوابة أخرى على يسارها 4 غُرف متصلة، أشبه بـ«كرفان»، يستخدمها العمال للمبيت.

فى مُنتصف المصنع، وعلى مساحة 300 متر تقريبًا، مبنى آخر، بارتفاع يزيد على 5 أمتار، سقفه من الصاج، تفوح منه رائحة عطنة، نفاذة، تسود المكان، ومُحاط بأكوام من العظم، تتهافت عليها بعض الكلاب التى تحوم بالمكان.

 


مصانع "تصدير الموت":

أسماء وعناوين وهمية للتخفي من الرقابة

تَسَللت «البوابة» بداخل المبنى، التى ترتفع درجة الحرارة بداخله بنسبة كبيرة، حيث شوهدت آليتان كبيرتان، عبارة عن «كوكرز»، تُستخدم كخط إنتاج للبروتينات تحت درجة حرارة معينة، وبجوار كُل آلة، يقف أسفلها 3 أو 4 عُمال، «كومة» كبيرة مطروحة أرضًا من المُنتج النهائى «بروتين الأعلاف»، الذى يقوم بتعبئته العُمال فى شكائر بيضاء اللون، ليتم رصها ووضعها أرضًا على يمين مدخل هذا المبنى.

اعترضنا أثناء تفقُد ورصد لعملية الإنتاج داخل المصنع، أحد الأشخاص، فى منتصف الثلاثين من عمره بجسم مُمتلئ، طلب منا الخروج إلى مُقدمة المصنع، قبل أن يُعرفنا عليه الخفير قائلًا: «مصطفى.ق.. صاحب المصنع».

فى جلسة لا تزيد مُدتها على 15 دقيقة، أكد مصطفى، ابن قرية النزلة بمركز الصف، أن إنتاج مصنعة عبارة عن بروتين حيوانى نسبته 60%، يُستخدم فى إنتاج أعلاف الدواجن والحيوانات، وأن سعر الطن الواحد 7 آلاف جنيه، مُشيرًا إلى أن تكاليف «المشال» والتوريد حتى صفط اللبن عبارة عن مبلغ 150 جنيها للطن، تستقل فيها السيارة الطريق الإقليمى ثم الصحراوى الغربى تجاه الرماية، مُتحججًا: «أسعار الغاز والدوشة الأخيرة خَلت الأسعار رَفعت، نار».

وبسؤاله عن إمكانية توريد بروتينات من الأسماك، قال مصطفى إن هذا النوع من البروتينات يتم تنفيذه بالطلب، حيث يقوم المصنع بشراء مُخلفات السمك من سوق العبور، ثم تمريرها بخط الإنتاج، «الكوكر»، تحت درجة حرارة مُختلفة، ناكرًا استخدامه للحيوانات النافقة أو العظم فى إنتاج البروتينات، رغم انتشارها فى أركان المصنع، ويوضح: «العظم بيعملوا منه غراء أو بروتين 30 و35% إنما ده بروتينه 60%».

وفى نهاية الحديث، اتفقت «البوابة» مع صاحب المصنع على معاودة التواصل مرة أخرى عبر اتصال هاتفى بعد الحصول على «عينة» من بروتين الأعلاف وعرضها على شريك آخر فى مصنع الأعلاف المُزمع إنشاؤه دون إنهاء إجراءات التراخيص للعمل فى الخفاء.

وبعد عدة محاولات لاحقة، استطاعت «البوابة» الحصول على «ورقة» يتم إلصاقها على عبوات المصنع، وأحيانًا يتم وضعها بداخل العبوة، مدون عليها «مصنع الهلال للبروتين والفوسفات الحيوانى ومشتقاته.. مدينة 15 مايو الصناعية». الصنف: «مسحوق بروتين.. تاريخ الإنتاج / /2017.. الصلاحية: عام من تاريخ الإنتاج بشرط التخزين»، ومن خلال بحث أجرته «البوابة»، فإن مصنع الهلال للبروتين غير موجود فى الحقيقة، كما أن المصنع الذى زُرناه يبعُد عن مدينة 15 مايو الصناعية حوالى 20 كيلومترا .

ضياء عبدالفتاح، أسم مُستعار لأحد أبناء القرية العاملين بالتعبئة داخل مصنع مُخالف، قال إن صناعة البروتينات قائمة على مُخلفات المجاز والحيوانات النافقة والعظم بشكل رئيسى، حيث يتفق صاحب المصنع مع مجموعة أفراد على توريد تلك المُدخلات إلى المصنع يوميًا بعد المرور على 6 مجاز فراخ داخل القرية وعشرات المجازر الأخرى القاطنة بمركز الصف، كما أن المصنع لا يحتاج إلى عدد كبير من العمال.



ويوضح الشاب الثلاثينى: «8 أو 10 عُمال قادرين على تشغيل مصنع، لإنتاج حوالى 10 طن بروتين يوميًا، حسب المُدخلات، وبشكل غير يومى، فمكنة (الكوكر) تقوم بطحن وحرق المُخلفات تحت درجة حرارة 130 أو يزيد لمدة تتراوح بين 3 و4 ساعات دون بذل جُهد من العاملين إلا فى حالة ملئها أو تعبئة المُنتج النهائى، وغالبًا لا يكون العمل مُنتظما باستمرار، فأحد المصانع يعمل ليومين فقط فى الأسبوع».

وينوّه عبدالفتاح، الذى رفض الاستمرار فى العمل داخل المصنع لأسباب صحية، بأن إنتاج المصنع يذهب إلى مصانع كُبرى مُتخصصة فى إنتاج الأعلاف، كالبركة والصفوة وغيرهما، على حد قوله، مؤكدًا أنه يتم التعامل أيضًا مع عدة مصانع أعلاف فى البدرشين والحوامدية بين حين وآخر.

جُملة مُخالفات رصدتها «البوابة» داخل المصنع تتنافى مع الاشتراطات الواجب مراعاتها عند إنشاء مصانع مركزات وبروتينات الأعلاف.

فوفقًا لدليل الاشتراطات البيئية لمشروعات مصانع بروتين ومركزات الأعلاف، الصادر عن وزارة البيئة فى عام 2010، فإن المصنع يُخالف البند الأول والثانى والرابع من اشتراطات التشغيل بالنسبة لأماكن استقبال مُخلفات المجازر، حيث يحظر استقبال مُخلفات لحوم بالمصنع «أيًا كان مصدرها» فى حالة التعفن، كما أنه يجب حفظ جميع الخامات فى أماكن تشوين مُغطاة بنسبة كافية من التبريد، وأيضًا فى حالة حدوث عُطل يستمر لأكثر من 24 ساعة تجب إعادة شحن الخامات لوحدة تصنيع أخرى بالمصنع لمنع تعفن الخامات وانتشار الروائح الكريهة.

أما فيما يخُص مخازن المنتج النهائى، فإن المصنع يخالف تمامًا اشتراطات التشغيل الخاصة بتعبئة البروتين فى البنود رقم «1، 2، 3، 4، 5»، حيث يحظر إدخال أى شىء أو مواد تسبب ضرر للمنتج النهائى، كما يجب أن تترك فراغات وممرات كافية بين المُنتج النهائى لسلامة عمليات التخزين طبقًا للأصول الفنية، بالإضافة إلى ضرورة وضع البروتينات فى أجولة على أن تتراص بطريقة منتظمة على قواعد خشبية «طبالى» فوق بعضها، كُل ذلك مع ضرورة توفير أجهزة تهوية بكميات مناسبة بدورها تجعل درجة الحرارة من الداخل منخفضة وأجهزة قياس للرطوبة فى المخازن.

وتباعًا لجُملة المُخالفات التى لا تتوافق مع الاشتراطات البيئية، فإن المصنع يُعد مُخالفا لاشتراطات الموقع الواجب مراعاتها عند إنشاء مصانع بروتينات أعلاف فى عدة بنود، على رأسها البند رقم (1، 2، 3، 7، 8، 9)، فوفقًا لقرارى اللجنة الوزارية رقم 18/06/05/3 بتاريخ 26 يونيو 2005 ورقم 3/12/05/3 بتاريخ 5 ديسمبر 2005، فإنه يحظر إقامة أى أنشطة صناعية خارج المنطقة الصناعية المُعتمدة، شريطة أن يتم اختيار الموقع، بحيث يكون فى منطقة مُخصصة لإقامة هذا النوع من الصناعات.

ولأن المصنع مُقام فى الجهة الشرقية بالنسبة للكتلة السكنية، التى تنتشر بها ما يزيد على 18 مزرعة دواجن، ما بين مرخصة وغير مرخصة، ولأنه أيضًا يبعُد مسافة 3 إلى ٣.٥ كيلومتر عن واحد من أكبر معامل التفريخ فى قرية غمازة الكُبرى بمركز الصف، الجيزة، فإن المصنع مخالف بذلك شرط إقامته فى الجهة الجنوبية، بحيث يكون معاكسًا لاتجاه الريح السائد بالمنطقة، وبمسافة لا تقل عن 5 كيلومترا من الكتلة العمرانية من كل الاتجاهات، ولا يُراعى أيضًا الابتعاد عن مزارع التسمين ومعامل التفريخ بمسافة لا تقل عن 5 كيلومترات، وعن مزارع الجدود وأمهات البياض مسافة لا تقل عن 10 كيلومترات.

مَصنع منطقة التِرعة بالشُرفا ليس الوحيد بمركز الصف الذى يعمل فى إنتاج بروتينات الأعلاف غير الصالحة للاستخدام، فبحسب «أ. س»، أحد الأهالى وموظف بالبيئة، فإنه تم إغلاق مصنع بقرية عرب الشيخ صالح، من قِبل حملة مُكبرة لشرطة المُسطحات المائية، فى مُنتصف العام الماضى، تبعتها حملة أخرى على مصنعين، تخصصا فى إنتاج البروتينات غير الصالحة للاستخدام من مُخلفات المجازر، بجبل قرية عرب أبوساعد، مُنذ عدة أشهر، بالإضافة إلى وجود مصنع آخر ما زال يعمل على بعد 300 متر فقط من المصنع الذى تسلل إليه مُعّد التحقيق.

ويؤكد «أ.س» أن أغلب تلك المصانع حَصلت على رُخصة نشاط صناعى بخلط وتعبئة وتغليف الأعلاف، لكنها تقوم بتغيير النشاط على أرض الواقع إلى تصنيع وإنتاج بروتينات ومركزات أعلاف، التى تتطلب اشتراطات مُعينة من حيث العملية الإنتاجية والمكونات، وهو ما يجعلها مُخالفة لشروط الترخيص والموافقة البيئية ولاغية بقوة القانون، وأنه بالرغم من عِلم مسئولين البيئة بها، فإنهم لا يتحركون لإغلاقها بسبب الحساسية العائلية طالما لم تُقدم ضدها شكاوى من المواطنين.


مصانع غير مرخصة تُنتج آلاف الأطنان "المغشوشة"

وفقًا لما وثقته سجلات مباحث التموين، فإنها ضبطت خلال النصف الأول من العام الجاري "يناير – يونيو" ألفًا و155 طنًا و298 كيلو أعلاف وبروتينات أعلاف مغشوشة، وأيضًا 6 آلاف و465 عبوة أعلاف ومركزات أعلاف غير صالحة للاستخدام، بالإضافة لـ 4 آلاف و420 لتر مركزات وبروتينات أعلاف مجهولة المصدر.

وحَرَرت ما يقرب من 329 قضية على مصانع وورش ومحال "بير سلم"– توصيف للمصانع والمحال غير المرخصة- بحسب تقريرإدارة مباحث التموين فى مجال مكافحة تداول الأنشطة الزراعية، حصلنا على نسخته، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من أطنان الأعلاف وبروتينات الأعلاف التى تضبطها سنويًا شرطة البيئة والمُسطحات المائية.

في حين اكتفت وزارة الزراعة، بمشاركة مباحث التموين ومركز شرطة مدينة الصف، الجيزة، في حملة ضبط واحدة فقط خلال عامي 2016 و2017، لمصنع غير مُرخص يعمل في إنتاج بروتينات الأعلاف، بحسب عبدالعزيز كمال إمام، مدير إدارة الأعلاف بوزارة الزراعة.

ويقول، إن المصنع مُقام على مساحة 6000 متر، يمتلكه «س. ع» بقرية أبو ساعد فى غمارة الكُبرى بالصف، وتم التحفظ وقتها على وحدتين «كوكر» وغلاية و5 عربات حديقة و500 برميل بلاستيك مُعبأة بريش ومخلفات مجازر و50 شيكارة أيضًا مُعبأة بمنتج نهائى مسحوق بروتين بإجمالى 32 طنًا،

وأوضح «إمام» أن إجراءات ضبط مصانع بروتين الأعلاف غير المُرخصة تكون من خلال إخطار الزراعة بوصول تحريات إلى شرطة البيئة والمسطحات المائية تُفيد بوجود مصنع يعمل فى المغشوش، ثم يتبعها تشكيل لجنة من شرطة البيئة وإدارة العلف بالوزارة وأساتذة مُتخصصين من مركز البحوث الزراعية.

الخطير فى الأمر، أنه بالرغم من انتشار صناعة إنتاج بروتينات الأعلاف المغشوشة بالجيزة، خاصة بقُرى مركز الصف؛ فإن «إمام» أكد أنه لا يوجد مصنع واحد مُرخص فى محافظة الجيزة ونشاطه «بروتين من مُخلفات المجازر»، غير أنه جارٍ مؤخرًا، ترخيص مصنع لمركزات الأعلاف ليمارس نشاط إنتاج البروتين، ويكون الأول من نوعه فى الجيزة.

13 مصنعًا فقط مُرخص ومُتخصص فى إنتاج البروتين من مُخلفات المجازر والأسماك على مستوى الجمهورية، منها 8 مصانع بمحافظات المنوفية والإسماعيلية والشرقية والإسكندرية، بعدد مصنعين داخل كل منها، بالإضافة إلى مصنع بمحافظة بنى سويف و4 مصانع بمحافظة البحيرة، اثنان منهما فى مدينة النوبارية الجديدة، غير أن مئات المصانع الأخرى غير المُرخصة تعمل فى الخفاء، وأحيانًا كثيرة فى العلن، لإنتاج البروتين غير المطابق للمواصفات.

 

شروط إقامة المصانع

وعن شروط إقامة مصانع بروتينات الأعلاف من مُخلفات المجازر، قال «إمام» إنها تبدأ بأن يكون موقع المصنع فى أرض صحراوية، مرورًا بالأبعاد الوقائية لأقرب نشاط داجنى من الموقع؛ حيث يُشترط أن يكون بعيدًا عن أقرب مزرعة للتسمين بـ 2 كيلومتر، ومزرعة أمهات بـ 5 كيلومترات، ومزرعة جدود بـ 10 كيلومترات، وصولًا بالمستندات المطلوبة، كحماية الأراضى والسجل الصناعى والبطاقة الضريبية والسجل التجارى وعقد تأسيس شركة، غير أن القرار الوزارى رقم 773، الصادر فى إبريل 2017، سَمح بترخيص المشاريع القائمة، ومنها مصانع بروتينات أعلاف مُخلفات المجازر، دون النظر للبُعد الوقائى ودون سند حماية أراضى، وذلك فى محاولة للسيطرة على انتشار المصانع غير المُرخصة.

 


التحليل الكيميائي يوثق:

زيادة نسبة الألياف و«التُراب» وانخفاض نسب البروتين

«البوابة» أجرت تحليلا كيميائيا وآخر بكتريولوجيا وثالث لسموم الأفلاتوكسين، بالمعامل التابعة لمركز البحوث الزراعية، وذلك لبيان مدى مطابقة «العينة» للمواصفات القياسية ومدى صلاحيتها فى حالة إضافتها إلى أعلاف الحيوانات والدواجن، وأظهرت النتائج أن العينة سلبية للفحص البكتريولوجى للسالمونيلا طبقًا للمواصفة القياسية 6579 لسنة 2002، وأقل من حساسية الجهاز للسموم الفطرية «أفلاتوكسين»، غير أنها غير مُطابقة للمواصفات القياسية المصرية لمسحوق مُخلفات مجازر الدواجن، حيث إن نسبة البروتين بالعينة كانت أقل من المطلوب، بالإضافة لزيادة نسبة الألياف والرماد على الحدود المسموح بها.

ويقول محمود الهايشة، أستاذ الهندسة الزراعية وباحث تغذية الحيوان بمعهد بحوث الإنتاج الحيوانى: إن المواصفة القياسية المصرية لمسحوق مخلفات مجازر الدواجن نَصَت على أن يكون خاليًا من الأحياء الدقيقة الضارة مثل السالمونيلا والكولاى والعفن والتزنخ والروائح غير المرغوب فيها، واشترطت ألا تقل نسبة البروتين الخام به عن 58% وألا تزيد نسبة الرطوبة على 12%، والدهن الخام به على 18%، والألياف الخام على 3%، والرماد على 8%، ولا تزيد نسبة السستين على 2% من نسبة البروتين الخام.

وبمطابقة نتائج التحليل على المواصفة القياسية المصرية لمسحوق مخلفات المجازر، فإن العينة خالفت نسب البروتين الخام والألياف الخام والرماد، فالمواصفة تشترط ألا تقل نسبة البروتين عن 58% وجاء بالعينة 52.17%، أى بمعدل نقص مقداره 5.83%، والألياف بالعينة 4.06%، أى بمعدل زيادة 1.06% عن الحد الأقصى المسموح به فى المواصفة وهو (3%)، وكذلك بالنسبة للرماد، فقد جاء بالعينة بنسبة 10.85%، أى بما يزيد على الحد المسموح به لنسبة الرماد بالمواصفة بمقدار (2.85%).


كوارث الغش البروتيني على الماشية

ويوضح أستاذ الهندسة الزراعية: «هذا يعنى أنه تمت إضافة نسبة من الألياف المطحونة لمسحوق المخلفات، حيث إن المسحوق فى صورة بودرة جافة يسهل طحن أى مسحوق آخر بمسحوق المخلفات فيزيد من حجمه ووزنه، مما يُعد غشًا تجاريًا، نتج عنه نقص فى نسبة البروتين وارتفاع فى نسبة الرماد، وأتوقع أن ما تمت إضافة لمسحوق مخلفات المجازر هو مسحوق عظام».

ويُكمل الهايشة: «نقص البروتين والطاقة فى عليقة الأبقار الحلابة مثلًا، وخاصة فى الفترة الأولى من الإدرار، يؤدى إلى انخفاض المادة الجافة فى الحليب، وقد يؤدى أيضًا إلى نقص الكالسيوم أو الخلل بنسبة الكالسيوم إلى الفوسفور، ما ينتج عنه ما يُسمى بالشلل الولادى، أما الطيور والدواجن فتحتاج إلى البروتينات للنمو وبناء أنسجة الجسم وتعويض التالف منها لإنتاج البيض واللحم».

وأوضح أن احتياجات الطائر من البروتين تختلف وفقا للعمر، ففى الفترة الأولى من العمر يحتاج إلى نسبة مرتفعة من البروتين لبناء أنسجة الجسم، ولذلك يجب ألا تقل نسبة البروتين فى العليقة عن 20 % فى الأسابيع الأربعة الأولى من العمر مع تغطية الاحتياجات من الأحماض الأمينية الأساسية (الميثونين-الليسين)، ويمكن تقليل نسبة البروتين فى العليقة بمعدل 2% كل أربعة أسابيع إلى أن يصل المعدل إلى 15% فتثبت عليه نسبة البروتين فى العليقة حتى يصل الطائر إلى مرحلة البلوغ وبداية وضع البيض فيرتفع نسبة البروتين فى العليقة إلى حوالى 17%.

وأوضح الدكتور أحمد عبدالمجيد، أستاذ تغذية الحيوان بمعهد بحوث الإنتاج الحيوانى، أن التحليل الكيميائى يُثبت أيضًا أن هناك خسارة مادية وأخرى غذائية فى حالة استخدامه فى تغذية الدواجن والحيوانات، مؤكدًا أن «بُنط» البروتين الواحد يتم على أساسه احتساب سعر طن البروتين، فإذا كان شراء طن البروتين تم على اتفاق أنه 60% بسعر 7 آلاف جنيه، وبعد تحليله اتضح أنه 52%، فإن الخسارة المادية تصل إلى 1000 جنيه فى الطن الواحد، حيث إن «بُنط» البروتين الواحد يصل سعره إلى 117 جنيها (7000/60).




تسمم الطيور والأسماك نتيجة "اليوريا"

كما أنه فى حالة تكوين علف للدواجن (22% بروتين) بإضافة بروتين حيوانى أقل من المطلوب مع المقومات الأخرى فإن نسبة البروتين النهائية ستكون أقل من المطلوبة لتغذية لدواجن، وبالتالى ستكون معدلات النوم لتلك الدواجن أقل كثيرًا من المتوقعة، خاصة أن معظم العاملين فى مجال تربية الدواجن يقومون بأنفسهم بشراء البروتين وخلطة بعيدًا عن شراء الأعلاف من شركات مُتخصصة.

ولا يستبعد «عبدالمجيد» لجوء مصانع بروتينات الأعلاف بير السلم إلى إضافة سماد اليوريا لرفع نسبة البروتين، وهو أمر مُنتشر بكثرة خلال الفترة الأخيرة، على حد قوله.

ويوضح عبدالمجيد: «كيلو اليوريا الواحد يعطى 2 كيلو و900 جرام بروتين (465 نيتروجين)، وحيث إن ثمن كيلو سماد اليوريا حوالى 5 جنيهات (250/50)، فبالتالى تكلُفة كيلو البروتين من سماد اليوريا أقل من جنيهان، فى حين أن سعر كيلو البروتين من مُخلفات المجازر حوالى 12 جنيها (7000/600%)، فإن الفرق يزيد على 10 جنيهات، وهو ما يُغرى أصحاب مصانع مُخلفات المجازر لإضافة يوريا إلى مُنتجاتهم لرفع نسبة البروتين والاستفادة أيضًا من فرق السعر الشاسع، خاصة أن اكتشافه من قبل المُستهلك يتطلب إلى إجراء تحاليل. NPN

وعن خطورة إضافة اليوريا، أوضح أستاذ تغذية الحيوان، أن السمك والدواجن والطيور ذات المعدة البسيطة «وحيدة المعدة» تقوم بعملية امتصاص سريع لليوريا، وعند وصولها للدم ينتج عنها تسمم وغيبوبة فى المُخ للسمك والدواجن، فيؤدى إلى نفوقها، وهو ما يُعانى منه بعض أصحاب مزارع الدواجن والأسماك.

وهو نفس الأمر الذى يحدث للماعز والأبقار وبعض الحيوانات الأخرى التى تتغذى على أعلاف ببروتينات مُضاف إليها يوريا ما إذا كانت فى المرحلة الأولى من عمرها «مرحلة اللبن»، لكن ما إذا كانت تلك الحيوانات فى مرحلة عمرية أكبر، فإنها تستطيع من خلال كائنات حية دقيقة داخل «الكرش» من امتصاص اليوريا وتحولها إلى هيكل كربونى لتأخذ منه النيتروجين وتحوله إلى بروتين تتغذى عليه.

ولفت «عبدالمجيد» إلى نوع آخر من الغش فى إنتاج البروتينات من مُخلفات المجازر، متمثلًا فى إضافة نسبة من التُربة والرمل، وهى طريقة غش معروفة بسهولتها وربحيتها، واكتشافها يتطلب إدخال عينة من البروتين فى وحدات الصُلب، وتحت ضغط معين من الحرارة يمكن تحديد نسبة الرمل المُضافة.

إفساد«القيمة الغذائية» المُقدمة للطيور والدواجن

فيما أكد الدكتور مُصطفى بسطامى، رئيس قسم أمراض الدواجن بكلية طب بيطرى القاهرة، أن يكون «الأفلاتوكسين» أقل من حساسية الجهاز فى نتيجة تحليل العينة، لا يعنى أن العينة سليمة، لأن بروتينات الأعلاف من مُخلفات المجازر، خاصة لمصانع بير السلم وغير المرخصة، عادة ما تكون بها أنواع أخرى من السموم الفطرية، التى إذا ما تغذت عليها الدواجن تتسبب فى تكوين أمراض وخلايا سرطانية تنتقل بدورها إلى الإنسان، كالأوكراتوكسين وزيراليونيون وألفيومنسن، ويتطلب الكشف عليها تحليل لكُل منها على حدة بعدة معامل مُختلفة.

ويُتابع بسطامى: «لكن بعض المصانع العاملة فى مجال إنتاج البروتين الحيوانى، خاصة المُخالف لاشتراطات العمل منها، تُضيف مضادات فطرية ومضادات سموم بنسب عالية على مُنتجاتها، للقضاء على أى نوع من أنواع السموم الفطرية الموجودة بالمُنتج، لكن فى الحقيقة أن ذلك لا يلغى آثارها، بالإضافة لإفسادها المادة «القيمة» الغذائية الموجودة فى العليقة المُقدمة للطيور والدواجن».

وعن مخاطر استخدام أعلاف بنسب بروتينات أقل وغير مُطابقة للمواصفات، قال «بسطامى»: إنه طالما كان النمو والتحويل الغذائى بالنسبة للدواجن والطيور التى تغذت على تلك الأنواع من بروتينات الأعلاف، فإن الجهاز المناعى لها يُصبح سيئا أيضًا والأكثر عرضة للأمراض المُختلفة، ما يُعتبر كارثة من عدة نواحى، موضحًا: «يتغذى الداجن على 2 كيلو علف لتكوين كيلو و400 جرام لحم، لكن فى حالة تغذيته على بروتينات أقل وغير مُطابقة للمواصفات، فإنه بذلك قد يأكل 2 كيلو من العلف ليُعطى أقل من الكيلو لحمًا بسبب سوء التحويل الغذائى، بالإضافة لإصابته بعدة أوبئة، تختلف من منطقة لأخرى، على رأسها وباء الـIB (النزلة الصدرية)، ونيوكاسل (طاعون الدجاج)، وأنفلونزا الطيور

ويقول فهيم شلتوت، أستاذ الرقابة الصحية على الأغذية وتغذية الحيوان، إن استخدام علائق حيوانات غير آمنة وبها سموم فطرية، ينتج عنها قلة الاستفادة من الغذاء بسبب معدل التحويل الغذائى السيئ وتدهور فى وزن الجسم ومعدلات نمو الحيوان، بالإضافة لقُصر مدة قيمة الإنتاج، وتدهور الإخصاب وزيادة قابلية الحيوان للإصابة بالأمراض، كما أن بعض الأعلاف الناتجة عن استخدام بروتين مُخلفات مصانع بير السلم تحتوى على سموم بكتيرية مع إمكانية نقلها لأنواع أمراض كأنفلونزا الطيور.

ويُكمل شلتوت: «كُل عنصر من عناصر الغذاء يحدث فيه نقص يُقابله مرض على المدى الطويل، فنقص البروتين لدى الحيوان يُصيبه بالأنيميا ومعدل نمو بطئ ومعدل إدرار لبن قليل وتقزُم وقوة بدنية ضعيفة ثم مناعة غير مقاومة للأمراض.


نفوق 70% من الطيور وعجز شديد في المواشي

أكد عبدالعزيز السيد، رئيس شعبة الثروة الداجنة بالغرفة التجارية، أن حجم الإنتاج الداجنى فى مصر وصل إلى مليون و600 ألف طائر يوميًا، ويتقلص هذا العدد إلى مليون و200 ألف طائر فى موسم الشتاء بسبب كثرة الأمراض، فى حين حجم استيراد مصر من الدواجن يُمثل 5 إلى 10% من سوق الدواجن بمُعدل 70 ألف طن سنويًا، موضحًا أنه بالمقارنة بحجم الإنتاج فى الأعوام السابقة؛ فإن الأرقام مُتقاربة، غير أن «المُربى الصغير» يُتعارض لخسائر عدة بسبب قلة الأسعار وارتفاع نسب النافق.

وتابع السيد: «وجود سموم فطرية ونقص فى بروتين العليقة التى تتغذى عليها الدواجن، يُعرضها لعدة مشكلات، بداية من النمو ووصولًا بالأمراض التى تتسبب بنفوقها، خاصة أن مُتوسط نسبة البروتين من مصانع مُخلفات المجازر غير المُرخصة تكون غير النسبة المطلوبة، بمتوسط 40%، لكن تظل الإدارة العامة للمخلفات بالهيئة العامة البيطرية ووزارة الزراعة مسئولتان عن مواجهة مصانع إنتاج البروتينات غير المُرخصة والإشراف على المُرخص منها».

وقال نبيل درويش، رئيس اتحاد مُنتجى الدواجن، إن حجم إنتاج دواجن التسمين يصل إلى مليار فرخة سنويًا، أما دواجن الجدود والأمهات والبياض والبلدى فيُقدر حجم إنتاجها بحوالى 250 مليون فرخة سنويًا.

ويُضيف: «المناعة الضعيفة للطيور تُعرضها للكثير من الأمراض خاصة فى موسم الشتاء؛ حيث تفقد بعض المزارع 60 إلى 70% من إنتاجها بسبب الأمراض التى تُصيب الدواجن، وتزيد تلك النسبة إذا ما كان «الأمن الحيوي» بالمزرعة ضعيفًا، لذلك تجد المربين يرفعون من طاقتهم بنسبة 25% لعمل حساب النافق من الطيور فى محاولة للحفاظ على نسب إنتاجهم الطبيعية، وعلى الرغم من زيادة النافق؛ فإن هناك استثمارات كبيرة تدخل فى العملية الإنتاجية، هذا بالنسبة للشركات الكبيرة والمتوسطة.

فى السياق ذاته، فإن مصر، بحسب محمد وهبة، رئيس شُعبة القصابين، تستورد حوالى 50% من استهلاكها للحوم بسبب العجز الشديد فى عدد الرؤوس الحيوانية؛ حيث تتعرض حوالى 11 مليون رأس ماشية فى مصر، من أبقار وجاموس، إلى أمراض عدة، على رأسها الحمى القلاعية بأنواعها، والجلد العقدى وحمى الوادى المُتصدع، الناتجة عن سوء التحويل الغذائى الذى يؤثر أيضًا فى وزن الماشية بسبب الأعلاف غير المُكتملة العناصر الغذائية.

بينما أكد طارق فهمى، عضو شُعبة الأسماك بالغرفة التجارية، أنه بالرغم من الاستقرار فى قطاع الأسماك، فإنه بالنظر إلى إنتاج مصر من الأسماك قبل 10 سنوات، فإن حجم إجمالى الإنتاج مُتناقص مع اعتبار الكثافة السكانية، مُشيرًا إلى أن مصانع إنتاج البروتين غير المُرخص لا تعتمد على مقاييس ومعايير دقيقة، وأن الغالب منها يقوم بتوريد إنتاجه إلى مصانع أعلاف بير السلم.

 


بسبب الأفلاتوكسين:

50 ألف حالة سنويًا تُصاب بالفشل الكبدى

الخطر متصاعد وزاحف على المصري، حياته فى مرمى الخطر فى ظل استمرار اعتماده على الغذاء القاتل والطيور والحيوانات المُغذاة على أعلاف بها بروتينات تحتوى على سموم فطرية، وكشفت دراسة حديثة عن أن كل سُمّ يؤثر فى وظيفة أو عضو بالجسم، فاحتواء بروتين العلف على سموم الأفلاتوكسين يؤثر فى الكبد، أما إذا كانت السموم أوكراتوكسين؛ فإنها توثر فى نشاط الكلية، فى حين أن سم الزيراليتون فيؤثر فى الهرمونات، وسموم الفوميتوكسين والباتيولين فلها تأثير عصبى وفى الخلايا.

وقال الدكتور محمد عز العرب، أستاذ الكبد ومؤسس وحدة الأورام بالمعهد القومى للكبد، إنه فى عام 1981، كان عدد مرضى سرطان الكبدى فى مصر حوالى 2.5 حالةلكل 100 ألف نسمة، ووصل هذا العدد إلى 27.5 حالة لكل 100 ألف نسمة فى عام 2014، وفقًا للسجل القومى للأورام، فيما يُقدر العدد حاليًا بما يزيد على 30 حالة لكل 100 ألف من السُكان، أى بزيادة عشرة أضعاف خلال الـ 30 عاما الماضية، وبعيدًا عن سرطان الكبد وحده؛ فإن 50 ألف حالة سنويًا تُصاب بالفشل الكبدى بأنواعه المُختلفة.

وأضاف «عز العرب» أنه وفقًا لعدة أبحاث ودراسات أُجريت على مرضى الفشل الكبدى بمحافظة الإسكندرية ومدينة طنطا بالغربية؛ فإن نسبة سموم الأفلاتوكسين لدى مرضى سرطان الكبد كانت الأعلى، وتناقصت تلك النسبة بالترتيب لدى مرضى التليُف الكبدى ومرضى التهاب الكبد دون تليُف، حتى أصبحت موجودة بنسب ضئيلة جدًا فى الأشخاص الطبيعيين، ما يؤكد أن التغذية على لحوم دواجن ومواشى تحتوى على أفلاتوكسينات انتقلت إليها عن طريق بروتين الأعلاف يُعتبر مصدرًا رئيسيًا فى تعطيل وظائف الكبد بالإضافة إلى الأطعمة المُخزنة سيئًا.

فيما قال الدكتور محمود فؤاد، مدير المركز المصرى للحق فى الدواء، إن أعداد مرضى الفشل الكلوى فى مصر فى ازدياد مُستمر، ففى عام 2015 وصل عددهم إلى 60 ألف مريض، بينما ارتفعت النسبة خلال العام اللاحق إلى حوالى 43 ألف مريض مُسجلين بوزارة الصحة، ومثلهم أيضًا فى القطاع الخاص.

 


البروتين النباتي بديلًا عن "جنون البقر"

وحدات الكوكر، هى وحدات من المُفترض أن تكون مُلحقة بالمجزر نفسه، وتستخدم مُخلفات المجازر من أحشاء وريش ورؤوس وأرجُل، فى إنتاج البروتين بعد طبخها تحت درجة حرارة تصل إلى 150 درجة مئوية، حتى تتمكن من قتل أى فطريات أو فيروسات، إلى أن يتم بعدها فصل جزء كبير من الدهون، التى تصل نسبتها إلى 30%، بطريقة الضغط ما يمنع المُنتج النهائى من التزنخ، لتأتى أخيرًا مرحلة التجفيف والطحن والتعبئة والتغليف.

وعملية إنتاج البروتينات من خلال وحدات الطبخ والمُكثفات «كوكرز»، والمُسماة علميًا بطريقة المعالجة أو الطهى Rendering، واحدة من أخطر الطُرق المُتاحة استخدامًا للتخلص من مُخلفات المجازر الصلبة خلال السنوات الماضية، حسبما أكد الدكتور محمود عبدالعزيز، أستاذ تغذية الحيوان بمعهد بحوث الإنتاج الحيوانى، مُضيفًا أن هذه الطريقة كانت الأكثر أمنًا من الناحية الصحية فى السابق، كونها قادرة على القضاء على البكتيريا المُسببة لمرض الجمرة الخبيثة Anthrax، وأيضًا على الفيروس المُسبب لمرض الفم والقدم.

ويُتابع عبدالعزيز: «لكن بعد ظهور مرض جنون البقر فى بريطانيا، والذى ينتقل إلى الإنسان عبر اللحوم ويتسبب فى تدمير خلايا المخ، كانت بروتينات الأعلاف المُصنعة من مُخلفات الحيوان أول المُتهمين فى نقل هذا المرض من حيوان إلى آخر، عن طريق الأعلاف، وأخيرًا انتقاله إلى الإنسان، وهو ما جعل دول أوروبا وأمريكا الشمالية تَحظر استخدام البروتينات الناتجة عن عملية طهى مُخلفات المجازر كإضافات لعلائق وأعلاف الحيوانات، خاصة الأبقار والأغنام».

وينوّه «عبدالعزيز» إلى أن هناك عدة طُرق أكثر أمنًا، من الناحية الصحية، لإنتاج بروتينات الأعلاف والتخلص من مُخلفات المجازر الصلبة، كطريقة التخمير الهوائى Composting والتخمر اللاهوائى والحرق والترميد والطمر الصحى Land filling، ولكنهم أكثر تعقيدًا، رغم أن تكاليف تنفيذهم أقل، وهو ما يُصعب من عملية وصول أيادى الغش لهم، كما يحدث فى عملية إنتاج البروتين من مُخلفات المجازر باستخدام «كوكرز».

على الجانب الآخر يؤكد جمال عبدالعزيز، مدير التسويق بشركة «آبيكس» العالمية للأعلاف، أن 70% من المصانع التى تعمل فى مجال البروتين والعلائق والأعلاف فى مصر غير مُرخصة ولا تخضع للإشراف والرقابة من وزارة الزراعة.

وتابع، أن إنتاج أعلاف بمكونات بروتين حيوانى وليس بروتين نباتى ما زال يُلاقى انتشارًا كبيرًا لدى مصانع الأعلاف فى مصر.

ويوضح: «50 طنًا تُنتجها شركة «آبيكس» يوميًا، نصفها تقريبًا يكون البروتين حيوانى وليس نباتيا، لكن هناك أيضًا مصانع أُخرى طبيعة إنتاجها تمنعها من استخدام البروتين الحيوانى بكثرة فى أعلافها، خاصة التى تُنتج أعلافًا «مكبوسة» وليست بودرة».

ويُشير «عبدالعزيز» إلى أن حوالى 70% من المصانع التى تعمل فى مجال العلف، سواء بروتين مخلفات مجازر أو صناعة أعلاف، غير مُرخصة ولا تخضع للإشراف الرقابى من وزارة الزراعة، بإجمالى إنتاج يتخطى 7 ملايين طن سنويًا.

مُضيفًا: «نبتعد عن استخدام بروتين مصانع مُخلفات المجازر فى صناعة العلف، ونعتمد فقط على استخدام بروتين مجازر الفراخ المُرخصة مباشرة التى يكون مُلحقًا بها «وحدة مُخلفات» لإنتاج البروتين آليًا دون تدخل بشرى، دون إضافات زائدة من الريش على غرار ما تقوم به مصانع مُخلفات المجازر كونه بروتينًا غير مهضوم للطائر، كما أننا نقوم بفحص ظاهرى لهذا المُنتج قبل استخدامه، من حيث الرائحة ودرجة الرطوبة واللون، ثم فحص كيميائى فى المعمل الخاص بالشركة، لتحديد مدى مطابقتها للمواصفات وخلوها من السموم».

وشدد الدكتور عبدالرحمن عطا، أستاذ فسيولوجيا الدواجن بجامعة القاهرة، على أن «البروتين النباتى» يُعد أفضل من بروتين مخلفات المجازر فى علائق الدواجن، موضحًا أن الذرة والصويا مع إضافة الأحماض الأمينية الناقصة فى النبات كالميثونين والسيستين، يُعتبرا البديل الأمثل فى صناعة الأعلاف، كون نسب احتوائهما على البروتين لا تتغير.