حملة الحرب على الفساد التى تم إطلاقها فى السعودية بداية الأسبوع الماضى، أحدثت أصداء غير متوقعة فى الأوساط السياسية والشعبية بالمحيط العربى والعالمى، وكشفت الحقيقة التى تجاوب معها كل من كان يشكو سريًا أو علنيًا من الألاعيب التى كانت تساق ضدهم لتعطيل المصالح الكثيرة، وأسقطت أيضًا العديد من الأقنعة عن بعض الوجوه. وفى العمق، ليست القضية هى قضية فساد، ولكن القضية أبعد من ذلك بكثير، هى أزمة لدولة كبيرة تحيط بها الأخطار من كل جانب، هناك إيران التى تحاول أن تمد نفوذها وتعضده فى «لبنان – سوريا – اليمن – العراق».
والنفوذ التى تريده إيران ليس نفوذًا عسكريًا فقط، ولكنه النفوذ الدينى الذى بدوره يتحكم فى كل شىء، يمس الحياة فى هذه الدول، وظاهر الحرب على الفساد هو «الإصلاح والتطهير» ولكن باطنه وهو الأهم «الحفاظ على المملكة» من النفوذ الإيرانى.
بالإضافة إلى «أزمة مجتمع» يقوم بعض أفراده بالإنفاق بسخاء مُنقطع النظير، وكأن المملكة تتصدر الكون فى الرخاء، وتصرف الأموال ملايين الدولارات، وأحيانًا بالمليارات نتيجة العمولات وإرساء المشروعات الكبيرة. ولا يكف عدد من هؤلاء عن الثرثرة بالقيم، ويحاضرون عن الطهارة من صياح الديك حتى نوم الدجاج.
الإصلاح الحقيقى فى المملكة بدأ واتخذ طريقه، وتحولت شعاراته إلى أفعال ورؤية مستقبلية.
الأمير محمد بن سلمان ولى العهد، شاب يتميز بالحيوية، ويملك وضوح الرؤية والاستنارة والوعى الكامل بقيمة وأهمية بناء الدولة الحديثة، وعلى مدى الأيام الماضية رأينا خطوات الأميرة الكبيرة على طريق الإصلاح والتقدم بالمشروعات الضخمة والتغيرات فى العديد من قيادات المؤسسات السعودية. ما جرى فى المملكة يفوق فى الأهمية ما جرى فى السعودية منذ وقت ليس بقليل، ولا يمكن لدولة أن تواجه إيران وغيرها من الدول الصغيرة دون أن تطهر نفسها من الفساد بكل صوره: «المحسوبية - الرشاوى – العمولات»، وهو الأمر الذى انعكس على التكلفة الباهظة لعدد من المشروعات التى تحملتها الميزانية السعودية، وهذا الوضع لا يمكن أن يساير النهج التنويرى الجديد الذى يسمى ولى العهد، الأمير محمد بن سلمان.
المملكة الحديثة التى سيتحمل مسئوليتها ولى العهد، لا بد أن تكون عادلة وفعالة وتتسم جميع تعامُلاتها بالشفافية والوضوح، والفساد هو أكبر العوائق ضد قيام الدولة الحديثة؛ لذلك كان العائق الأكبر ضد التطور والتقدم هو من هم فى أعلى المراتب والمناصب سواء أكانوا أمراء أم وزراء.
ونستنتج من خلال السياسة السعودية الجديدة أن ولى العهد ضد سياسة المهادلة، وتأجيل الحلول تجاه المرتشين أو الحُوثيين أو دويلة قطر.
ومن يرى أن الأمير كان مضطرًا لاتخاذ هذه القرارات والإجراءات كانت رؤيتهم صحيحة؛ لأن الأمير يعتقد أن مصلحة الوطن فوق كل مصلحة أخرى، وأن سلطة وقوة المملكة أكبر من سلطة المال والنفوذ والأسرة، وهناك إجماع من عدد كبير من المراقبين على أن الأمير محمد بن سلمان يتبنى أفكارًا إصلاحية، والبعض الآخر يعتبره مصلحًا حقيقيًا وسجله حافل بهذه الإصلاحات، منها الإسلام الوسطى، وحق المرأة فى قيادة سيارتها وغيرها من الإجراءات الإصلاحية.
المشهد الذى نعيشه هذه الأسابيع تأكد من خلاله ولى العهد السعودى أن إيران هى الشيطان الذى يحرك كل المؤامرات ضد المملكة، إيران تساعد الحُوثيين فى اليمن، وتحرض الشيعة فى كل من العراق ولبنان ضد السعودية، بخلاف محاولاتها المتعددة والمتتالية لإثارة الشيعة فى البحرين، والموقف نفسه تكرره فى المنطقة الشرقية للمملكة التى يسكنها عدد كبير من الشيعة، على خلفية هذه التطورات المتلاحقة روجت أطراف مختلفة شائعات مُتكررة عن زيارة ولى العهد لإسرائيل، وهو الأمر الذى كذبتهُ المملكة، لكن هذه الشائعات يعاد بثها من آن لآخر، بغرض أساسى هو التشويه والإساءة، والربط بين عداء إسرائيل لإيران واختلاف المملكة مع إيران، غير مدركين أصحاب هذه الشائعات أن موقف المملكة مع إيران يختلف عن موقف إسرائيل، فإيران هى دائمًا التى تهدد أمن المملكة وإثارة الشيعة ضدها، أما إسرائيل فهى وكيلة أمريكا فى المنطقة، ولا تستطيع إيران الاقتراب منها إلا بالانتقادات الصحفية فقط.
عدد من المراقبين يطالب المتابعين لما يجرى من عملية التطهير بالسعودية انتظار رد فعل من شملهم التطهير، والذى لا يعلمه هؤلاء، هو أن التحقيقات التى تتم مع الشخصيات التى شملها التطهير عن طريق محققين محايدين يقومون بمواجهتهم بالاتهامات المعززة بالمستندات، ومن يثبت أن هذه الاتهامات غير صحيحة يتم الإفراج عنهُ، ويبرز فى هذا السياق، أنه تم الإفراج عن ٧ شخصيات سعودية كبيرة.
الخطوة المهمة الكبيرة، هى أن عملية التحفظ على الحسابات قد تمت على الحسابات الشخصية فقط، دون حسابات الشركات التى تملكها الشخصيات التى طالتها عملية التطهير، حفاظًا على حقوق العاملين بهذه الشركات، وأيضًا استثماراتها فى الدول المختلفة، فى المجمل العام، إن الصدى والرد المباشر على كل ما يقال من ادعاءات بأن الذين شملهم التطهير سيكون لهم رد على هذه الإجراءات، هو القبول والشعبية الجارفة التى حصل عليها الحكم فى السعودية، نتيجة هذه الإجراءات التى نالت كل تقدير وإعجاب من جانب السعوديين، وخير شاهد على ذلك، هو ما ينشر فى وسائل التواصل الاجتماعى، والسعوديون على أمل أن يكون عماد الدولة الحديثة هو القانون الذى يطبق على كل الناس سواء الصغير أو الكبير أو الأمير أو الشخص العادى.
وهل يلوم أحد ولى العهد وهو يحمل مشاعر التنوير ويحارب الفساد بعيدًا عن أى شماتة؟
لأن الشماتة سمة الضعفاء والمواجهة سمة الأقوياء.
المزعج تضييع الوقت والجُهد والمصلحة الوطنية فى جدل ما يسمى بصلة القرابة.. لكن ما جرى هو اتساع الرؤية والأمل البعيد والترويج لدولة حديثة وكبيرة.