دائما ما تقحم أمريكا أنفها فى أمور داخلية خاصة بدول أخرى تحت شعارات واهية وأهداف سامية لم تطبقها هى على نفسها أولا أو على ذوى الجنسيات الأخرى الموجودة على أرضها، وكثيرا ما تتشدق بالديمقراطية والحريات المدنية، وهى أكبر المتناقضين لها والمتحيزين لرأيها ولصديقها اللدود إسرائيل فى كل المحافل الدولية، ولكن على أى حال فإن تدخلها فى الشأن المصرى بات غير مقبول على الإطلاق الآن، وبعد قيام «ثورتين» فى مصر وتحول مصر إلى الأفضل بعد ٦ سنوات، وذلك عندما طالبت مصر من خلال زعيمة الأقلية الديمقراطية فى مجلس النواب المدعوة نانسى بيلوسى بحماية حرية المثليين المصريين وحماية الحريات المدنية ومنظمات حقوق الإنسان المصرية التى تحصل على منح بملايين الدولارات، من أجل تنفيذ ما يطلب منها من قبل أمريكا المانحة، خاصة فيما يتعلق بحرية التعبير وأمن المواطنين، وكان هذا عبر لقائها مع رئيس مجلس النواب المصرى على عبدالعال وعدد من النواب، ونددت من خلال اللقاء بما أسمته «الاعتداء على الحريات المدنية وأنشطة المنظمات غير الحكومية والحملة المناهضة للمثليين»، ولم يتوقف الأمر عند هذا، بل وصل التدخل الأمريكى السافر فى الشأن المصرى إلى تأكيدها بوجود اعتداء مستمر على الحريات المدنية فى مصر بعدما تم اعتقال ٧١ مواطنًا مصريًا من المثليين بعد رفع علم «قوس قزح» فى حفل موسيقى كبير للمثليين المصريين فى منطقة التجمع الخامس الشهر الماضى، مطالبين بحقوقهم، وزعمت بيلوسى أن هناك انتهاكات بدنية مهينة تعرض لها المثليون!!
وزيادة فى الأمر اعترضت أمريكا على قانون مصرى قدمه برلمانيون لتجريم المثلية الجنسية بوصفها له بأنه غير إنسانى، وسوف يزج بالمصريين المثليات والمثليين ومزدوجى الميول الجنسية والمتحولين جنسيا ومغايرى الهوية الجنسية إلى السجن، كما سيزج بالمتعاطفين معهم فى السجن لدعمهم الحقوق المدنية للمثليين!
وتصل السفالة حدتها عندما لوحت زعيمة الأقلية بمجلس النواب بأن أمريكا تعد واحدة من أكبر المانحين لمصر، ومن ثم فهى ملزمة بالتحدث ضد هذه الانتهاكات البغيضة لحقوق الإنسان وكرامته وحقه فى تحديد جنسه من وجهة نظرها!!
وأعتقد أن مصر الآن ليست فى حاجة إلى إملاءات من الجانب الأمريكى أو من أى أحد، نظرًا لتغير أحوالها إلى الأفضل خلال الست السنوات الأخيرة نسبيا فى مجالات عديدة، خاصة الأمن والاستقرار، وفيما يتعلق بملف حقوق الإنسان، فقد تم الإفراج عن العديد من المحبوسين، وكذلك مكانة مصر الإقليمية والعربية والإفريقية والعالمية الناجحة خلال السنوات الأخيرة، ومن خلال اقتصادها القوى بشهادات دولية، وبمشروعاتها العملاقة الكبرى التى ستحصد مصر ثمارها بعد سنوات قليلة، ومن المؤكد أن المعونة الأمريكية لمصر غير مجدية، وهى جزء من الضغط الأمريكى الذى تمارسه لصالح إسرائيل العدو اللدود ضد مصر.
فضلا عن كونها تمثل نوعا من العار والمهانة والمذلة للدولة والشعب والحكومة على السواء! ولا بد من إقامة المصانع الجديدة، وتشغيل المتوقفة منها، والتركيز على التصدير وتقليل الواردات، وإعادة الهيبة للجنيه أمام العملات الأجنبية، والاهتمام بنواتج القوى الناعمة فى مصر، وعلى رأسها السينما والفن والثقافة والرياضة، وإطلاق الحريات السياسية حتى لا ندع لهم مبررا للضـغط على مصر وحتى نستغنى عن المعونة تماما!
على أى حال، فالشعب المصرى لن يعتمد على المعونة الأمريكية إلى الأبد، وأنه لا يقبل المعونة المشروطة التى تنال من كرامته وكبريائه، وأنه لن يركع ولن يجوع إذا توقفت المنحة من أمريكا، فالشعب الذى صبر وتحمل الجوع والفقر وارتفاع الأسعار لمدة ٦ سنوات قادر على الصبر على المعونة الأمريكية الملعونة!