يمكن لبعض الأرقام الإحصائية أن تكون ذات فائدة فى توضيح مشكلات إفريقيا الوسطى. ونبدأها من النيجر التى يُعرف عنها الفقر المدقع لسكانها وجهلهم المطبق بأساليب منع الحمل حتى أصبحت الدولة ذات أعلى معدل لإنجاب الأطفال فى العالم، حيث تنجب المرأة الواحدة فى المعدل ٧.٦ طفل. وقابلت رجلًا هناك أنجب من زوجاته ١٧ طفلًا. وفى نيجيريا المجاورة للنيجر، تبدو مشكلة الانفجار السكانى أخطر بكثير وحيث ستزيح الولايات المتحدة عن موقعها التصنيفى كأكبر ثالث دولة فى العالم من حيث عدد السكان بحلول عام ٢٠٥٠.
وتكون علامات التغير المناخى فى المنطقة شديدة القوة والوضوح لدرجة أن دائرة الأرصاد الجوية وحالة الطقس فى دولة السنغال تقول إن معدل درجات الحرارة ارتفع فيها بمقدار درجتين بين عامى ١٩٥٠ و٢٠١٥، وأن المعدل السنوى لسقوط الأمطار انخفض بمعدل ٥ سنتيمترات، وكان الهدف من اتفاقية باريس للمناخ يكمن فى الحفاظ على معدل درجة حرارة كوكب الأرض بحيث لا ترتفع بأكثر من درجتين مئويتين بحلول عام ٢١٠٠.
وهذا يعنى أن أجزاء من منطقة ما وراء الصحراء الإفريقية الكبرى أصبحت بالفعل فى مستويات درجات الحرارة التى يفترض باتفاقية باريس للمناخ أن تمنع حدوثها قبل نهاية القرن الحالي. وتتجه المنطقة نحو ارتفاع فى معدل درجات الحرارة يبلغ ٤ درجات مئوية، وبما سيؤدى إلى تفاقم مشكلة انحسار المزارع الصغيرة وتزايد أفواج المهاجرين إلى أوروبا طلبًا للغذاء، وسيؤدى أيضًا إلى تضخم أعداد الشبّان العاطلين عن العمل والجاهزين للانضمام إلى تنظيم «داعش» مقابل راتب شهرى لا يزيد على ٥٠ دولارًا.
واستعرضت لى الباحثة «بربوط» ثلاث خرائط لإفريقيا تحتوى على نقاط مميزة فى وسط القارة. وتوضح الخريطة الأولى أكثر المناطق الإفريقية التى تعرضت للتصحّر عام ٢٠٠٨. وتشير الثانية إلى الصراعات الإثنية وثورات الجياع التى شهدتها القارة عامى ٢٠٠٧ و٢٠٠٨. وتحدد الثالثة أماكن الهجمات التى شنّها الإرهابيون عام ٢٠١٢. ولاحظت من خلال استقرائى الدقيق للخرائط الثلاث أن النيجر والدول المجاورة لها تستأثر بأعلى كثافة لهذه النقاط.
فما هو الموقف الذى يتبناه ترامب من هذه الحقيقة الناصعة التى تظهرها الخرائط؟. إنه يفكّر بشيء واحد يتلخص فى استخدام قواته العسكرية المنتشرة هناك فى مجرّد استهداف وقتل الإرهابيين فى إفريقيا فرادى فى الوقت الذى يعمل فيه على إلغاء صناديق الدعم للبرامج التى ترعاها الأمم المتحدة لمنع الحمل، ويشجع على تعيين ناكرى ظاهرة التغير المناخى فى أعلى المناصب الحكومية، وهو يفضل الفحم الحجرى على مصادر الطاقة النظيفة، ويعمل على إلغاء البحوث التى تشرف عليها الحكومة الأمريكية حول المناخ.
ويمكن القول بكلمة واحدة إنه يرسل جنوده لمحاربة الإرهاب من دون النظر إلى مشكلات التغير المناخى والانفجار السكانى التى تعدّ من أهم أسبابه، وهو يعمل بذلك على تقويض الجهود التى يمكننا أن نبذلها للتصدى لتلك المشكلات.
نقلا عن الاتحاد الإماراتى.
