الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

أحمد عرابي المفترى عليه "3"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى المقال السابق توقفنا عند نجاح حركة عرابى التى أعادت البارودى وزيرًا للحربية وألغت حركة التنقلات التى كان قد أصدرها داود يكن الذى أقيل مع وزارة رياض ليتقلد شريف باشا منصب رئيس الوزراء، وهكذا فقد استجاب الخديو توفيق لجميع طلبات الجيش التى قدمها عرابى فى واقعة عابدين يوم التاسع من سبتمبر ١٨٨١ والتى أجمع كل المؤرخين وشهود العيان على وقوعها ولم ينكرها سوى الدكتور يوسف زيدان حين قال بالحرف الواحد فى لقائه مع الإعلامى عمرو أديب، بأن عرابى لم يلق الخديو ولم يكن مظلومًا أو يعانى اضطهادًا فى الجيش وأنه سبب الاحتلال الإنجليزى لمصر...إلى آخر هذه الاتهامات الموجهة لشخص حمل مطالب الأمة ومطالب ضباط الجيش من المصريين وكان سببًا فى إعادة الحياة البرلمانية لمصر حين رفع شريف باشا تقريرًا لتوفيق فى أكتوبر ١٨٨١ قائلًا فيه: أرى يا مولاى أنه قد آن الأوان لإجابة مطلب الأمة والجيش بإنشاء مجلس للنواب، فوافق الخديو وأجريت الانتخابات فى جو ديمقراطى وافتتح توفيق الجلسة الأولى فى ٢٣ ديسمبر ١٨٨١ وكان يومًا مشهودًا فى تاريخ مصر، حيث أجريت فيه بعض المراسم التى يعمل بها حتى الآن فى افتتاح الدورة البرلمانية، وقامت وزارة شريف بوضع اللائحة الأساسية والتى توازى اليوم الدستور والتى تمت مناقشتها تحت قبة البرلمان ولكن وقبل إقرار الدستور الجديد أو اللائحة الأساسية بأيام قليلة وفى الثامن من يناير ١٨٨٢ توجه المعتمد البريطانى وكذلك الفرنسى إلى قصر عابدين وقدما مذكرة اعتراض رسمية على مناقشة البرلمان المصرى لدستور يحد من سلطة الخديو والذى يجب عليه أن يحترم الاتفاقيات الخاصة بإدارة الاقتصاد المصرى وتسوية الديون والتى جعلت فى الوزارة مشرفًا إنجليزيًا وآخر فرنسيًا، وهنا طلب توفيق من شريف باشا إرجاء أمر الدستور بسبب هذه المذكرة، فاعترض عرابى ولوح بالعودة إلى عابدين مع ضباط الجيش لإقرار الدستور بالقوة، ورفض عرابى تدخلات الغرب فى الشأن المصرى، فأدرك شريف باشا أن أزمة تلوح فى الأفق وأنه لن يتمكن من الوصول إلى حل يرضى به الخديو من جهة والجيش من جهة أخرى، فقدم استقالته فى فبراير ١٨٨٢، وأسدى النصح لتوفيق بأن يكلف البارودى بتشكيل الحكومة الجديدة إرضاء للجيش، ففعل ذلك على الفور وقام البارودى باختيار عرابى وزيرًا للحربية، وهو ما أسعد الجيش والشعب معًا، فهذه هى المرة الأولى التى يصعد فيها الفلاح المصرى ويرتقى فى المناصب حتى يتقلد وزارة الحربية والتى كانت مقصورة على الجنسيات الأخرى من أتراك وشراكسة، وصار عرابى أيقونة عند كل المصريين وصارت كل أم تحلم بأن تلد عرابى من جديد، فالآن فقط لا مستحيل، والفلاح قد يصبح وزيرًا، وكان توفيق يظن أنه قدم السبت ليلقى الأحد من حكومته الجديدة وأنها ستوافقه على إرجاء الدستور، ولكنه فوجئ بالباردوى وهو يقر الدستور رغم أنف الدول الدائنة، وقام عرابى بترقية الضباط المصريين مما أثار غضب الضباط الشراكسة والذين قرروا الخلاص من عرابى بمحاولة قتله فى إبريل ١٨٨٢، حيث تم الكشف عن مؤامرة كبرى لاغتيال وزير الحربية بقيادة عثمان رفقى الوزير الشركسى الأسبق، وتم القبض على رؤوس الفتنة ومحاكمتهم عسكريا، غير أن توفيق رفض التصديق على الأحكام التى صدرت ضد المتآمرين نتيجة الضغط عليه من الدول الدائنة والتى رأت أن البارودى وعرابى يتجهان بمصر نحو استقلال القرار والإرادة، فاشتد الخلاف بين الوزارة وبين توفيق وعلى إثر هذا الخلاف قررت إنجلترا وفرنسا إرسال أسطوليهما إلى الإسكندرية وبررتا هذا الإجراء بحماية مصالح الدول الدائنة، ووصلت البوارج إلى ميناء الإسكندرية فى مايو ١٨٨٢ وأعلنت الدولتان عن رغبتهما إقالة الوزارة ونفى عرابى إلى خارج البلاد فرفضت الوزارة هذه المطالب بينما أعلن الخديو موافقته على مطالب الدولتين وأعلن عن تكليفه لشريف باشا بتشكيل الوزارة من جديد ولكنه رفض ذلك، وهكذا باتت مصر فى أزمة سياسية استدعت التدخل العثمانى لاسيما بعدما قرر توفيق إدارة الحكومة مؤقتا واتخذ بعض القرارات التى دفعت البارودى إلى الاستقالة واضطر توفيق أن يبقى على عرابى خشية انتقاضة الجيش والشعب عليه بعد ما صار عرابى نجمًا لامعًا عند المصريين، وأما اللجنة التى أرسلها السلطان العثمانى فلم تفعل شيئًا وعادت إلى الأستانة بخفى حنين، وفى هذا الجو السياسى المضطرب بدأت الجاليات الأجنبية فى الرحيل المفاجئ عن مصر، وانتشرت الشائعات حول قرب احتلال مصر من الدول الدائنة، وفى يونية ١٨٨٢ وقع شجار فى الإسكندرية بين رجل مالطى ومصرى،حيث استأجر المالطى حمارا من المصرى وأخذ يطوف به من مكان لآخر وفى النهاية دفع له قرشًا واحدًا كأجرة، فاعترض المصرى فما كان من المالطى إلا أن أخرج سكينًا وقتل به المصرى، فاشتعلت الإسكندرية غضبًا وصار العامة والدهماء يقتلون الأجانب فى الشوارع وينهبون ممتلكاتهم، ووصل الخبر إلى عرابى الذى أدرك أن البلاد فى طريقها إلى خطر عظيم، خاصة بعد رحيل ما يقرب من عشرة آلاف أجنبى فى يوم واحد، وللعلم فإن معظم من كتبوا عن هذه الواقعة يؤكدون أنها كان مدبرة، وأن الإنجليز أرادوا استفزاز مشاعر المصريين بقتل أحدهم على يد المالطى كى تعم الفوضى فى البلاد فتتدخل إنجلترا لحماية الرعايا الأجانب فى مصر.. وللحديث بقية.