نهضت كاتباتُ الرواية الليبية مُنذ أكثر من نصف قرن ويزيد من خلفيةٍ
اعتمدت فى مُستهلها على الانخراط المُثابر فى مجالات العمل الصحفى مقالات
واستطلاعات وحوارات من جهة، والمُشاركة المدنية الفعالة فى دعم انطلاق المرأة
مُجتمعيًا لتشق طريقها فى مناحٍ عدة من جهة أُخرى، لذلك سنلحظ أن أغلبهُن تناولن
قضايا المرأة التحررية عبر مقالاتهن واستطلاعاتهن والتى أثارت أسئلة الخروج عن
المألوف بقياس تلك المرحلة التى شهدت فيها ليبيا استقلالها عام ١٩٥١ عقب حقبة
استعمارية خلفت لشعبها جهلا ومرضا وفقرا، وأضفن لذلك أيضا أن احتضنت الصفحات
الصحفية سلسلة حلقات وثقت للنشر الأول لمنتجهن الروائى والقصصى قبيل خروجها فى
إصدار مطبوع، وتلك كانت ميزة ألقت بظلالها على حراكهن ما عكس انتعاشة مشهد الثقافة
والأدب حينها، وهو ما سيشهد عقبها قطيعة أعلنها النظام الحاكم فى عام ١٩٧٣ بإعلانه
التأميم الحكومى للثقافة، وإيقاف كافة القوانين المعمول بها قبله، وإعلان الثورة
الثقافية حسب نظريته ومنهجه الشمولي.
حملت عاتق أن تكون الروائية الليبية الأولى الأديبة مرضية النعاس
فسلمت قُراءها «المظروف الأزرق»، عنوان روايتها المُفتتح لمسار الروائيات من
بعدها، والتى نُشرت أولا فى حلقات بمجلة المرأة نهاية عقد الستينيات، مرضية أصيلة
مدينة درنة الواقعة شرقى ليبيا من تُعرف تاريخيا بأنها مدينة الفن والشعر، خرجت
منها مرضية مُنتقلة إلى مدينة بنغازى (عاصمة البلاد الثانية) للدراسة حيث تخرجت فى
كلية القانون من أول جامعة ليبية تأسست عام ١٩٥٥، وفى بنغازى مارست مهنة التدريس
والكتابة الصحفية وقد عاضد اندفاعها وتميزها الإبداعى المبكر زوجها الصحفى
الصالحين نتفة من ترأس تحرير أول مجلة ليبية مصورة أسبوعية «ليبيا الحديثة»
المُرفقة بأول مجلة للأطفال فى ليبيا «الليبى الصغير».
تبزغُ شريفة القيادى كأغزر الكاتبات الليبيات إنتاجا قصة ورواية
وبحثا، وهى الأستاذة الجامعية، ومن انتمت مُبكرا لمشروع نهضة المرأة عبر النشاط
المدنى والصحفي، فقد ترأست صفحة «النصف الحلو» فى جريدة الرائد منتصف الستينيات،
ثم أصدرت روايتها الأولى «هذه أنا» وهى رواية تمثل جانبا «سيرويا» لمعيشتها
ولمواقف قاربتها، فهى وإن اغتربت مُبكرا فقد جعلت غربتها مفتاحا لإنتاجها، شريفة
انتهجت البوح والإعلان عن ذاتها فى مقالاتها المُتلاحقة قُبيل رحيلها عن المشهد
الأدبي، وظلت علامة فارقة فى السيل الكتابى المُعبر عن ما انتقدته من صور للمرأة
التى ترزح تحت الهيمنة الذكورية وضغوطها ما تتسربُ عبر إكراهات المجتمع وأعرافه
وقوانينه.
وستُباشر الأديبة نادرة العويتى فور عودتها من مهجرها بدمشق وبروح
وثابة مثابرة فى رفد مشوار مُجايلاتها من الناهضات الصحفيات فتشرع فى خطوها
باستلام مهمتها فى استطلاعات مجلة «المرأة» إذ تحظى بثقة رئيسة تحريرها ومديرتها
رائدة النهضة النسوية خديجة الجهمي، ثم تُنجز روايتها الأولى «المرأة التى استنطقت
الطبيعة»، وفى مناخ الجامعة بطرابلس الغرب، ومع بروز الأنشطة الطلابية مُنتصف
السبعينيات ستطلعُ الشاعرة والروائية فوزية شلابى مُتمردة بفلسفتها ما درستْ كتخصص
بكلية التربية، وما أطلقت من أفكار جارت فيها نماذج لكاتبات عربيات آنذاك كنوال
السعداوى وغادة السمان، وقد علت نبرتُها فى مقالاتها الجريئة بأول جريدة ثقافية
أسبوعية (الأسبوع الثقافى التى ترأسها الصحفى والسياسى عبد الرحمن شلقم)، وستُصدر
عام ١٩٨٥ روايتها الأولى (رواية لرجل واحد)، وستنطفئ جذوة ذلك التمرد مع انشغالها
بالعمل الثورى عبر أعلام السلطة الحاكمة إذ تحوزُ منصب وزيرة لأعلامه، وستترك
قلمها لتترأس وكالة إخبارية وتدير محطة مسموعة.
فى مراجعتنا الراصدة لمسارات الكتابة الروائية لأديبات ليبيا فى رواياتهن المُبتدأ، لنا أن نختتم بأن مسيرة الروائيات الليبيات نشطت مؤخرا مع انحسار مقص الرقيب واشتراطات السلطة وستكون لنا عودة لرصدها أيضا.