أتعجب كثيرا من حالة الاستجداء والخنوع التى تمر بها الدبلوماسية القطرية، فوزير خارجية الدويلة المارقة عن الصف العربى أصبح يتسكع، بدون حياء أو خجل، على نواصى قصور الحكم فى عواصم الغرب، راح يتسول على طريقة «الشحاذين» العطف السياسى، عبر التدخل لإقناع الدول المقاطعة لهم بالجلوس على مائدة الحوار، فوزير خارجية قطر الذى دأب على تصديع رؤوسنا ليل نهار عن صلابة موقف بلاده، أصبح الآن يريد الحوار الدبلوماسى، فى محاولة بائسة للخروج من العزلة، خصوصا فى أعقاب طلب مملكة البحرين تجميد عضوية «قطر» فى مجلس التعاون الخليجى، فقد ثبت تورطهم فى إثارة القلاقل والسعى لتفجير الأزمات فى مصر وبلدان الخليج العربى، فضلا عن تمويل الإرهاب، وتوفير الملاذات الآمنة لقياداته، ودعمه بكل الوسائل، وهى الاتهامات التى وجهتها كل من مصر والإمارات والسعودية والبحرين للدولة المارقة، وعلى ضوءها تمت إجراءات المقاطعة لها.
إن حكام قطر، يا سادة، انزلقوا بإرادتهم فيما وصلوا إليه من عزلة، وصارت دولتهم منبوذة، بعد أن سقطوا فى مستنقع «الفوضى الخلاقة»، وهو المخطط الذى دبرت له أجهزة الاستخبارات الأمريكية والبريطانية لإعادة رسم الخرائط الجغرافية، على أساس المصالح الأمريكية والبريطانية.
لم يكن المتحكمون بـ«سفه» فى ثروات الدويلة الصغيرة، بالنسبة للديناصورات العالمية، سوى أداة رخيصة لتنفيذ مخططات، دبرت لها بدقة أجهزة استخبارات غربية، إلا أن هؤلاء الحمقى رأوا فى تلك المخططات أحلاما ذاتية، فانساقوا وراءها، فقد هيأت لهم أنفسهم المريضة أنهم قادرون على التوسع الجغرافى، بالحصول على جزء من الأراضى التى سيتم تفتيتها بعناية ودقة، إذا نجحت المخططات فى تفكيك المؤسسات الصلبة التى تمثل الأركان الأساسية لبنيان دول الخليج المستقرة، فضلا عن خلق أسباب الاقتتال الداخلى وضرب المجتمعات، عبر تفجير التناحر بين فئات الشعب، وتكريس التنافر المشحون بالصراعات المذهبية والعرقية والطائفية، وهو الذى نرى مشاهده فى الشمال العربى، وحاولت أن تزرعه فى مصر ودول الجيران.
إذن فالاتهامات التى حددتها الدول الأربع «مصر والسعودية والإمارات والبحرين» لحكام قطر، ويحاول وزير خارجية قطر نفيها، لم تكن اتهامات عشوائية أو نوعا من المغالاة ضدهم، خاصة إذا علمنا أنهم وراء تمويل كل الجرائم الإرهابية التى تحدث فى مصر وتجرى مشاهدها الحية فى ليبيا وسوريا والعراق، ومن المثير أنها كانت تحارب مع التحالف الدولى فى اليمن، وفى نفس الوقت، تمد الحوثيين فى إطار التعاون الخفى مع إيران، بالمال والسلاح، تحارب «داعش» فى العراق وسوريا نهارا، وتمنحهم مليارات الدولارات ليلا، إلى جانب دعمهم إعلاميا عبر قناة «الجزيرة».
فواشنطن التى تغسل يديها، الآن، من عار علاقتها بالأسرة الحاكمة فى قطر، كانت قد وجدت ضالتها قبل ذلك فى الرجل الذى صنعته وأيدت انقلابه على أبيه، ليس لسواد عيونه أو لجمال طلته، إنما لبسط المزيد من النفوذ الأمريكى على المنطقة، بادعاء التصدى لإيران، ومجابهة المد الشيعى، لكن الشق الغامض فى العلاقة بينهما، فحدث ولا حرج، هو يتلخص فى تنفيذ الأجندة الصهيوأمريكية، لتفتيت المنطقة وتقسيمها على أساس عرقى ومذهبى وطائفى واستغلال النظام الحاكم فى قطر، للإنفاق على مشروعها الاستراتيجى.
واشنطن، إن شئنا الدقة، لا تريد للمنطقة هدوءا، ولا ترغب فى تغيير مخططاتها الاستراتيجية، هى تريد، فقط، تجميل صورتها القبيحة، وغسل سمعتها السيئة، عبر إعلان إدارتها الجديدة، التخلى عن الدول الممولة للإرهاب، إلا أن «تميم» لم يدرك حقيقة التغير فى المواقف الدولية، وهى مواقف قائمة بالأساس على التكتيك، حسبما تقتضيه ظروف المرحلة الراهنة، فالولايات المتحدة حققت جزءا من مخططاتها، وأنعشت خزائنها بمئات المليارات، الناتجة عن تجارة وتهريب السلاح، وعندما استشعرت غضبا دوليا على الإرهاب، راحت تلعنه وتلعن من يدعمه.
حاكم قطر لم يدرك، أيضا، أنه مجرد «زكيبة فلوس» لتمويل صفقات السلاح، فاستمر ببلاهة فى الانسياق وراء خيالاته المريضة، أما السبب، إن كنتم لا تعلمون، فهو أن هؤلاء الحكام قصيرى النظر لديهم أوهام التوسع الجغرافى، بالحصول على نصيب من شبه الجزيرة العربية، والاستحواذ على مملكة البحرين، حال نجاح مخططات الفوضى التى ينفقون عليها الثروات الهائلة، أو هكذا يتوهمون فى إطار تنفيذهم للاستراتيجية الصهيوأمريكية، وللوقوف على هذه الحقيقة، لا بد من نظرة ولو عابرة على ما تقوم به الدوحة من توسعات فى مشروعات البنية التحتية، وتركيز حكامها على بناء المراكز العلمية البحثية، والتوسع فى إقامة المنشآت الرياضية والسياحية والترفيهية، وإنفاق مئات المليارات من الثروات الهائلة، لاستقطاب العلماء فى جميع التخصصات، بما فيها مجالات العلوم الذرية وعلوم الفضاء، جميعها تشير إلى تطلعات وطموحات لا تتناسب مع حجم الدولة.
تضمنت، أيضا، الطموحات القطرية، مشروعين لنشر الفوضى وتوسيع دوائر نفوذها السياسى، فعملت على تنفيذهما، المشروع الأول أطلقت عليه دوائرها الإعلامية مشروع «النهضة»، ويديره الإخوانى القطرى الدكتور جاسم بن سلطان، أما الثانى فهو «أكاديمية التغيير»، وأوكلت مهام إدارة الأكاديمية فى العاصمة البريطانية لندن إلى طبيب أطفال مغمور اسمه هشام مرسى زوج ابنة يوسف القرضاوى، مفتى الإرهاب.
أما مشروع النهضة فيعمل على تفتيت ثوابت الأنظمة العربية، بالحشد ضدها والتنفير من سياساتها، وهو المشروع الذى رفعه القيادى الإخوانى خيرت الشاطر شعارا وبرنامجا لجماعته، ولم يكن صدفة أن يتأسس فى نفس العام حزب إخوانى يحمل اسم «النهضة» فى تونس، ولم يكن صدفة، أيضًا أن يطلق على سد الألفية فى إثيوبيا اسم «سد النهضة»، خصوصا إذا علمنا حجم الدعم القطرى لإثيوبيا، وحجم الوجود الإسرائيلى فيها بهدف حصار مصر.