السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

العقل زينة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لدينا فى مصر مثل شعبى يقول: «العقل زينة». يروج هذا المثل لأهمية العقل بالنسبة للإنسان، فالعقل الراجح المتزن، يضفى على صاحبه رونقًا وجمالًا، أما من يستسلم لغرائزه وانفعالاته ولا يُحَكِّم عقله فى شئون حياته، فهو أحمق. هكذا صار الاعتزاز بالعقل مضرب المثل، غير أن اللافت للنظر أن الناس فى بلادنا ينصرفون عن إعمال العقل، بل يقفون أحيانًا موقفًا عدائيًا من العقل. إننى هنا لا أعمم، بطبيعة الحال، ولكننى أتحدث عن تلك الفئة المتحجرة عقولها، أتحدث عن أولئك المتشددين المتعصبين، أتحدث عن تلك الفئة المعادية للمنطق والعقل.
توجد فئة فى مجتمعنا تنظر إلى الإنسان بوصفه حيوانًا، فالرجل فى نظر تلك الفئة ليس إنسانًا وإنما هو مجرد حيوان لا يملك سوى غرائزه، ولا يعتز أو يتباهى إلا بها. والمرأة كذلك فى نظر تلك الفئة ما هى إلا حيوان مثير لغرائز الرجل (هذا أعظم ما تمتلكه المرأة فى نظرهم من مواهب وملكات) مثلها مثل أنثى أى قط أو كلب. إذا نزلت أنثى الكلب الشارع التف حولها عدد كبير من ذكور الكلاب يرغب كل واحد منهم فى مضاجعتها- منظر مألوف نشاهده فى شوارعنا وحاراتنا- لكن المرأة ليست حيوانًا يا سادة!!.. والدين الإسلامى أكرم وأعظم من أن يصور المرأة على أنها هكذا. المرأة ليست كتلة من الجنس مثيرة لشهوة الرجل، وبالتالى فإن مرضى العقول الذين لا يرون فى المرأة سوى أنها كتلة من الجنس مثيرة لشهوة الرجل، ينادون ليل نهار بضرورة إخفاء كل معالم جسد المرأة وتحويلها إلى شبح أو مجرد مسخ. إن تصور المرأة على هذا النحو لا ينطوى على إهانة لها وحدها، بل يحمل هذا التصور إهانة للرجل واحتقارًا له بوصفه حيوانًا يثار لمجرد رؤية المرأة، دون رادع من عقل أو قيم أو مبادئ يلجم شهوته!! 
علينا أن ندرك جيدًا أن إثارة الشهوة تبدأ بالعقل قبل أن تبدأ بالجسد، ومن ثمَّ، فكثيراً ما تتملكنى الدهشة ويعترينى العجب من تلك المرأة التى تحجم عن مصافحة أى رجل يدًا بيد، أو الرجل الذى يحجم عن مصافحة أية امرأة يدًا بيد، وكأن ليس هناك ما يشغل هذه النوعية من البشر سوى الرغبة والشهوة الجنسية، وكأن النساء والرجال هم أقطاب جنسية، ما إن يلتقوا فى أى وقت وفى أية مناسبة حتى يتفاعلوا تفاعلًا غريزيًا. إن مثل هذا التصور لا يرى فى الإنسان (رجلاً أو امرأة) سوى الجانب الحيوانى فقط!!
المرأة إنسان – مثلها مثل الرجل - لها كل الاحترام، لها عقل وفكر ومشاعر، لها مقدرة وإرادة، يجب أن نحترم فيها هذه السمات والخصال كما نحترمها ونقدرها فى الرجل، غير أن البعض ينظر إلى المرأة – كما أشرنا -على أنها مجرد جسد، أو بتعبير أدق يتم النظر إليها بوصفها كتلة من الجنس، ولذلك فإن المتشددين دينيًا إنما ينظرون إلى جسد المرأة على أنه كتلة من الجنس يجب إخفاؤه، وهذا ينقلنا إلى طرف ثان يقف على الأرضية نفسها، وإن كان يتبع أسلوبًا مختلفًا، وهو نظرة الغرب إلى المرأة، قطاع كبير فى الغرب ينظر أيضًا إلى جسد المرأة على أنه جنس يجب إظهاره، إن مسألة المبالغة فى الاهتمام بزينة المرأة، والحرص على تعرية أكبر مساحة من جسمها، هذه المبالغة الشديدة بالأزياء والموضة المنتشرة فى أمريكا وأوروبا، والتقليد الأعمى لهذه الموضات الذى تقوم به شريحة كبيرة من الفتيات والسيدات فى مجتمعاتنا، هذه المبالغة فى الاهتمام بشكل المرأة والحرص على تعرية أكبر مساحة من جسمها، إنما يعنى أيضًا النظر إلى المرأة بوصفها جنسًا يجب إظهاره. وهكذا نرى أن المتشددين دينيًا من ناحية، والمبالغين فى الاهتمام بالموضة وأدوات التجميل (المكياج) من ناحية أخرى، يقفون جميعًا على أرضية واحدة، رغم اختلاف منطلق كل فريق منهما، فهما يمثلان وجهين لعملة واحدة، وإن بديا مختلفين أشد الاختلاف. إنهما يتفقان على شىء واحد هو النظر إلى المرأة لا بوصفها إنسانًا، وإنما بوصفها كتلة من الجنس!! لا تكمن المشكلة فى مسألة ما الذى ترتديه المرأة من ملبس، وعلى أى نحو تتزين. بل تكمن العلة فى الأفكار الخاطئة التى تزدحم داخل رؤوسنا، دون التوقف أمامها لفحصها فحصًا عقليًا ومنطقيًا. إن ارتداء الحجاب أو النقاب لم ولن يمنع الاعتداء الجنسى على النساء من جانب المهووسين جنسيًا والمرضى عقليًا.
بقى أن نقول إننا فى حاجة إلى نشر الثقافة الجنسية بين أبنائنا (ذكورًا وإناثًا)، على أن يبدأ هذا التثقيف من عمر مبكر وقبل بلوغ سن العاشرة، فالملاحظ أن الأطفال اليوم يدخلون مرحلة البلوغ الجسدى منذ عمر مبكر، ولكن هذا البلوغ لا يصاحبه بلوغ عاطفي. إن التوعية الجنسية يجب أن تبدأ على يد العائلة والمدرسة، من خلال حديث صريح وعلمى مع الأطفال عن أمور تتعلق بالجنس، وتنبيههم إلى ظاهرة الاعتداء الجنسي. الأهم من ذلك كله يجب على الأب والأم وكافة مؤسسات المجتمع مساندة الطفل والوقوف بجانبه دون تردد حال تعرضه لأى اعتداء جنسي.
إن الحرية المفرطة مثلها مثل الكبت الشديد، كلاهما يؤدى إلى شرور كثيرة، أبرزها اضطراب الإنسان وشذوذ مسلكه. الوسطية والاعتدال هما السبيل الأقوم.