رغم أن قسوة الألم فى نفوسنا، تتجاوز قدرتنا على الاحتمال، ورغم أن الصراخ المكتوم بين ضلوعنا، يتجاوز حدود فضائل صبرنا على الأحزان، إلا أن تجرع مرارات الوجع على شهداء الوطن، لن يغفر لنا، أبدا، خطيئة الصمت على «بلاوينا»، وهى، إن كنتم لا تعلمون، تتمثل فى إعلام سطحى، بليد، أدمن أباطرته الفشل، فبعض الإعلاميين من فرط «غبائهم»، صاروا مثل «الببغاوات»، يثرثرون بلا روية، ويصيحون بدون إدراك لمفهوم «المسئولية الوطنية»، ولم يعوا الظرف التاريخى الذى تمر به البلاد، أو طبيعة الحرب التى تخوضها الدولة ومؤسساتها الصلبة، والأهم من هذا وذاك، لم يدركوا حجم تداعيات «تخاريفهم»، التى توقظ الغضب من غفوته، فتخاريف الإعلاميين حول جريمة الواحات البحرية التى استهدفت خيرة أبناء هذا البلد، جعلت مساحات التكهن فى أوساط الرأى العام، تتزايد بصورة مزعجة ومخيفة، جراء ضجيج عديمى الموهبة، وصخب المهووسين بالظهور فى الفضائيات.
الإعلاميون ومعهم فصيلة، نادرة، ليس لها وجود إلا فى الفضائيات المصرية، هذه الفصيلة يطلق عليها مصطلح «الخبراء»، وهؤلاء الخبراء أو «الخوابير» جاهزون دوما للإفتاء فى كل شىء، تراهم يولولون مثل ندابات المآتم فى كل مناسبة، يمارسون الضجيج والصياح الأهوج فى وصلات ردح منفرة، يروجون بدون دراية لمعلومات مغلوطة، وكأنهم عالمون ببواطن الأمور، هؤلاء راحوا يرددون ما يروجه الإعلام المتربص بنا، لذا لم يعد خافيا على أحد أن بعض هؤلاء «الخوابير»، يثيرون اشمئزاز من يشاهدهم ولو على سبيل المرور العابر غير المقصود.
الغريب أن دعاة المعرفة فى كل شىء، لا يعلمون الحقيقة الدامغة، وهى أن الحرب الدائرة، الآن، إن شئنا الدقة فى الوصف، هى ليست حربا ضد عدو واضح، معلوم، تراه كما يراك، تواجهه مثلما يواجهك، لكنها حرب ضد عدو غير محدد المعالم، يراك، ويرصد تحركاتك بدقة، ويداهمك غدرا، عبر أدواته المتمثلة فى عناصر ضالة ومضللة، أو عصابات مسلحة، مدعومة، بكل وسائل الحروب العصرية من معلومات وتقنية حديثة وغطاء إعلامى، وضجيج منظمات حقوقية مشبوهة، وكيانات تحركها أياد خفية، لتشويه الأوضاع فى مصر بمزاعم وهمية وافتراءات وأكاذيب، بهدف تحريض المجتمع الدولى ضدها.
إن ما جرى خلال الأيام القليلة الماضية على الشاشات الفضائية من إعلاميين منفلتين و«خوابير» عشش فى أدمغتهم العنكبوت، يثير الغثيان، راحوا يتحدثون عن مواجهات دامية، وكأننا فى حرب بين جيوش نظامية، تدور مشاهدها فى ساحات مفتوحة، رغم علمهم جميعا أن الأمور لم تكن كذلك، بل حتى هذه اللحظة، لا يوجد مواطن عادى، مهموم، أو «خابور» مهووس بالإفتاء فيما يعرف وفيما لا يعرف، لديه دراية بتطورات المشهد الأمنى، وهى تطورات باعثة على التفاؤل والطمأنينة، فحالة الاستنفار تزايدت بصورة مذهلة منذ جريمة الواحات البحرية، كما أن ردود فعل الدولة، كانت أعنف مما يتخيل الفهلوية، كما أن هناك شيئا مهما يجب إلقاء الضوء عليه، حتى تخرس ألسنة مدعى المعرفة من أصحاب التصريحات، ليس مطلوبا من الأجهزة الأمنية، أن تترك غرف العمليات ومتابعة مصادر المعلومات، لكى تصدر البيانات قبل أن تنهى المهمة التى تقوم بتنفيذها، لكن لم ينتظر هؤلاء الخوابير ومعهم الإعلاميين الفهلوية، وراحوا يصفون المشاهد وكأنهم موجودون على خط المواجهة.
فى هذا السياق، أرى أن هناك ضرورة للتوقف كثيرا أمام بيان وزارة الداخلية، بغرض التركيز الشديد على ما احتواه من معلومات مهمة، وهو البيان الذى صدر أمس الأول الجمعة، فى أعقاب قيام أجهزة الأمن بمداهمة وكر لخلية إرهابية، أسفرت العملية التى جرى تنفيذها باحترافية، عن مقتل ١٣ إرهابيا على طريق الواحات - أسيوط، الغربى، لاحظوا، هى أصدرت البيان والتفاصيل بعد الانتهاء من المهمة.
القوة الأمنية وجدت فى الوكر الذى يختبئ به الإرهابيون أسلحة متنوعة وكتب تكفيرية، تخص أفكار وفتاوى لتنظيمات إرهابية، اتخذت من الجنوب الشرقى فى ليبيا مقرا لانطلاق عملياتها، وسواء كانت هذه المجموعة التى جرى تصفيتها، لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بجريمة الواحات البحرية، فإن ما يلفت الانتباه له، أن عناصر المجموعة الإرهابية ليسوا أجانب، بل مصريين، وهذا يعنى أن هؤلاء المغيبين، الذين تحولوا بفعل غسيل «الأدمغة» إلى متفجرات متنقلة على الأرض، جرى تجنيدهم وتدريبهم خارج الحدود فى أعقاب ثورة ٣٠ يونية، هؤلاء لديهم دراية بالمناطق الجغرافية، خاصة الصحراوية، فضلا عن أمور أخرى تؤكد أنهم مصريون، أبرزها، ارتداؤهم، ملابس عسكرية شديدة الشبه بالزى الميرى.
فالاستعدادات الأمنية، يا سادة، مهمة أساسية للدولة المصرية، وليس مطلوبا البوح بما تحويه تفاصيلها، خاصة فى ظل الأوضاع الإقليمية التى ينحسر فيها الإرهاب بعدة بلدان «العراق وسوريا»، ففى هذا السياق، علينا النظر للأوضاع الراهنة بقدر من الروية والقراءة الموضوعية للأحداث، أولا علينا معرفة جوانب مهمة، منها رغبة قيادات وفلول الإرهابيين الفارين من جحيم المعارك فى العراق وسوريا وانهيار بنية التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها داعش، فهناك خشية من تسللهم إلى أوروبا، لذا فإن وجهتهم ستكون إلى مصر عبر ليبيا، وهذا الأمر يجب عدم إغفاله.
القراءة الدقيقة للمشهد برمته، تشير إلى أمور ملفتة للانتباه، وتبدو فى غاية الأهمية، مفادها أن التنظيمات الإرهابية، أصبحت مثل الغريق الذى يحاول التعلق بقشة، فهى تحاول النجاة من الموت بأى صورة، بعد الضربات المميتة لها فى الشمال الشرقى، لم يعد لها سوى التسلل من الحدود الغربية، لكن كل مرة تحاول فيها الإفلات من الاصطياد، تذهب بقدميها إلى الهلاك.