يبدو أن هناك حالة من التخبط والارتباك الشديدين وعدم الوضوح حول العملية الإرهابية الغادرة فى منطقة الواحات بمحافظة الجيزة التى وصل عدد الضحايا فيها إلى ١٦ ضابطًا ومجندًا شهيدا، وفقا للبيانات الرسمية المعلنة من وزارة الداخلية مؤخرا عن الحادثة الأليمة التى اقشعرت لها الأبدان، وبكت من أجلها القلوب والعيون على شهداء الشرطة الأبرار، حيث لم يصدر أى بيان رسمى يكشف
عن الأعداد الحقيقية للشهداء والمصابين إلا بعد «خراب مالطة»! وبعد أن أصدرت وكالة رويترز الإنجليزية بيانها الخبرى السريع عن الحادثة مع الساعات الأولى لبدء اشتباكات الأمن مع الإرهابيين بمنطقة الواحات، حيث قادت وكالة «رويترز» للأخبار جميع وكالات الأخبار فى العالم، بل والإعلام والصحافة المصرية فى تقديم أرقام عن عدد شهداء الحادث الإرهابى، منسوبة إلى ما أسمته بـ«المصادر الأمنية»، وأشارت إلى أن شهداء الحادث وصلوا إلى ٥٢ شهيدا، وهو ما يطرح عددا من التساؤلات الهامة حول القضية، الأمر الذى أدى إلى قيام عدد كبير من الصحف بالنقل عن الوكالة الأكثر احترافا ومهنيا، الأمر الذى جعل الدنيا تنقلب ولم تقعد، وأشهر الإعلام المصرى سيوفه فى وجه هذه الوكالة العتيدة التى لها مكاتب فى جميع أنحاء العالم، وتعد من أكثر وأهم الوكالات العالمية والأكثر مهنية ومصداقية، متهما إياها بالعمالة تارة، وبالكذب وعدم المصداقية تارة أخرى، ووكالة مدفوعة من جهات تهدف إلى الإضرار بمصر، ولها علاقة بقطر وليس لها مهنية ولا مصداقية تارة ثالثة، دون أن يلقى الإعلام الوطنى بالمسئولية على نفسه أولا وعلى البيان الرسمى الذى جاء متأخرا كعادته بساعات طويلة، لكى يتبين الناس الحقيقة بشأن هذه الفاجعة.
وفى الجانب الآخر اكتفت وزارة الداخلية ببيان قصير ذكرت فيه وقوع اشتباكات بين قوات الأمن ومسلحين فى منطقة الواحات البحرية التابعة لمحافظة الجيزة، وبدأت كل صحيفة مصرية أو وكالة دولية تنقل عددًا مختلفًا عن الأخرى بالنسبة إلى عدد شهداء الواحات.
وربما هناك مصادر قريبة من الحادث تحصل على مقابل الإدلاء بالمعلومات بشكل أسرع للإعلام الأجنبى حتى يتحقق السبق الصحفى الذى تسعى إليه كل وسائل الإعلام المصرية والأجنبية، كما أن بعض الجهات الأجنبية مثل وكالة «نوفوستى» الروسية أوردت أن عدد شهدائنا فى الواحات بلغ ٥٤ شهيدا، بينما قالت قناة «فرنسا ٢٤» أن عدد الشهداء ٣٥ شهيدا! وهذا يعنى أن العدد كبير فعلا!
على أى حال ربما أخطأت وكالة «رويترز» عندما استندت إلى ما أسمته بمصادر أمنية لم تحددها، بينما لم تنتظر أى منهما أو تلجأ إلى السلطات الأمنية الرسمية لكى تحصل منها على المعلومات الحقيقية، ويخالف هذا القواعد المهنية المتعارف عليها دوليًا فى تغطية العمليات الإرهابية، التى قد تستلزم مواجهتها الأمنية الانتظار لبعض الوقت حتى إعلان المعلومات الرسمية عن نتائجها.
وبالتأكيد أخطأت وكالة «رويترز» حينما قامت باستبدال مصطلح «الإرهابيين»، بمصطلح «المقاتلين» الذى يمكن أن يعطى باللغة الإنجليزية إيحاءات إيجابية للقارئ، ويتعاطف معهم، وهم فى الحقيقة إرهابيون وسفاحون ومعتدون وليس لهم علاقة بالدين، ولكن فى الوقت نفسه لا ينبغى أن ندفن رؤوسنا فى الرمال كالنعام ونعلق أخطاءنا على شماعة وكالة «رويترز» والـ«بى بى سي»، ينبغى أن نحاسب المقصرين على هذه الواقعة التى ضللت الرأى العام المصرى والعربى بشكل كبير الذى يبحث عن الحقيقة، وعن من يعتمد على وسائل الإعلام والوكالات الأجنبية فى متابعة الأحداث بسبب عدم قدرة الإعلام المصرى على تفعيل دور المراسلين داخل المحافظات، وليس خارج البلاد من أجل الإسراع فى إرسال المعلومات والأرقام الصحيحة عن عدد الشهداء بدلا من الاعتماد على وكالات الأنباء الأجنبية التى ربما لا تجد أى مشكلة فى أن تدفع أموالًا مقابل حصولها على المعلومات أولًا بأول، وقبيل وسائل الإعلام الأخرى من أجل المنافسة وتحقيق السبق الصحفى، وحتى قبل وسائل الإعلام الوطنية نفسها، الأمر الذى يضع المصادر الأمنية فى حرج شديد إذا ثبتت هذه الأشياء.
ينبغى أن يكون لدينا مجلس أعلى للإعلام يهتم بمثل هذه الأزمات بنظام عمل سريع، وتحت ضغط حتى يتسنى للرأى العام المصرى والعربى أن يتعرف على الحقيقة فى وقتها ولا يعطى الفرصة للدخلاء أن يضللوا ويشوهوا الحقائق، ودون أن يضطر المواطن إلى الذهاب إلى وكالات أجنبية ربما لها أغراض معينة ضد مصالح مصر من أجل نشر أرقام غير صحيحة تهدف إلى تضليل الناس، وربما زعزعة الاستقرار والأمن القومي..!