الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

خيالات

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حينما أمسكت بقلمى وأحضرت بعضًا من الأوراق كى أكتب هذا المقال، لم أكن أعرف ماذا أكتب.. وفجأة تذكرت العصر الجاهلي، فأطلقت العنان لخيالي، فتخيلت أننى أجلس بداخل خيمة فى الصحراء، أنسج قصيدة من الشعر فى إحدى الليالى المقمرة، وفى سبيل استدعاء شيطان الشعر، خرجت من الخيمة هائمًا على وجهى وسط الصحراء، أنظر إلى النجوم عسى الإلهام أن يأتي.
وإذ بى وأنا على الحالة تلك، أقابل (عُروة بن الوَرد) الشاعر والفارس الصعلوك، فيعلم أننى أحد فتيان قبيلة بنى عبس، القبيلة ذاتها التى تركها عروة كى ينضم إلى صفوف الصعاليك.. أتعرفون من هم الصعاليك؟.. الصعاليك مجموعة من الفتيان الذين هجروا قبائلهم وتمردوا عليها؛ فخرجوا إلى الصحراء حتى تقابلوا، وظل عددهم يزداد يومًا تلو الآخر، حتى قويت شوكتهم، وحينها كانوا يقومون بقطع الطرق على قوافل الأغنياء التى تمرُّ، ثم يأخذون هذه الغنائم؛ فيقومون بتوزيعها على الفقراء من مختلف القبائل، أفعالهم كانت نبيلة، ولكن يا تُرى هل هى مبررة؟ 
أقول لعروة: اذهب ولا تعترض طريقي، ليس معى أية أموال يا لص.. فيرد قائلًا: لسنا لصوصًا، نحن نأخذ هذه الأموال من أجل الفقراء، وأنت يا (عمرو) فتى ذو شأن عند بنى عبس، لو أخذتُك أسيرًا عندنا، فلا شك أن بنى عبس سوف يدفعون فيك فدية كبيرة.. فوجدتُنى أسْتَلُّ سيفى من غِمْدِه بعد أن أَشهرَ عروة سيفه، وتـحْتَدِم المبارزة بيننا ويطول أَمَدُها، حتى يُنْهِكنا التعب، ثم ما ألبث إلا وسيف عروة مستقرًّا بين أضلعي، فيتركنى على الأرض صريعًا بين دمائي، ويلوذ بالفرار.
أسْتَفيقُ من خيالاتى منزعجًا، وأقرر ألا أكتب هذا المقال بالورقة والقلم، فأذهب وأحضر (اللاب توب) كى أكتب عليه؛ فربما تبعدنى التكنولوجيا عن خيالات الجاهلية والصحراء؛ فإذ بى أتذكر عنترة ابن شداد، حينما كان يحارب بمفرده جيش النعمان بن المنذر ملك الحيرة؛ ليحصل على ألف ناقة من النوق الحمراء، التى لا توجد إلا فى بلاده، كى يقدمها مهرًا لعبلة، وتأخذنى الخيالات إلى مدى أبعد، فأرى عنترة يحمل بدلًا من السيف (مدفع رشاش)، فيقضى به على جيش النعمان بأكمله، ويأخذ النوق وينصرف. 
أستفيق هذه المرة من خيالاتى مبتسمًا؛ لأننى أعلم أن عنترة لم يذهب لإحضار أية نوق، فهذه القصة غير حقيقية، بل هى من محض خيالات الرواة، مثلها مثل خيالاتى الآن، فكما أن عنترة لم يحمل مدفعًا رشاشًا، هو أيضًا لم يحارب جيش النعمان من أجل الحصول على النوق الحمراء، كما أن عنترة لم يتزوج من عبلة.
أغلقت اللاب توب، وأغلقت كذلك التلفاز الذى كان مُضَاءً بجواري؛ فقد قمت بكتم الصوت عندما تهيَّأت للكتابة، كنت أشاهد فيلمًا كلاسيكيًّا قديمًا (رسالة من امرأة مجهولة)، لعله هو الذى أثَّر فى خيالاتي؛ فجعل تفكيرى يتجول فى الزمن الماضي.
على أية حال، فقد ذهبتُ للنوم ولم أكتب شيئًا، وحينما وضعت رأسى على وسادتى لم أتخلص من خيالاتى التى تجنح إلى القديم؛ فإذ بى أتخيل أن البشرية عادت بضعة آلاف سنة إلى الوراء؛ حيث الناس يعيشون فى الغابات، لا توجد هواتف، ولا فيس بوك، ولا واتس آب، ولا توجد أى أجهزة ذكية، لا توجد سيارات، ولا طائرات، ولا صواريخ، ولا قنابل.. ماذا سيحدث لو عدنا إلى هذا الزمن؟ وهل كان الإنسان غير الإنسان؟.. فى كل الأزمان لن يكون الإنسان إنسانًا إلا إذا تمسك بإنسانيته.
لا أعلم فى الحقيقة أى الأزمان أفضل، هل زمن الغابة، أم زمن الناقة، أم زمن الطائرة، أم الزمن الذى سنعيش فيه على سطح القمر وربما المريخ؟.. ولكن ما أنا على يقين منه أن أفضل زمن، هو زمن العودة إلى الجنة.. فجأة ودون أية مقدمات.. أنهض من مكاني.. كى أكتب هذه الخيالات؛ لتكون موضوع هذا المقال.. ولكن فى رأيكم هل كتبته بالورقة والقلم أم باللاب توب؟