مرة أخرى تتجدد أزمة تعامل وسائل الإعلام والقائمين عليها مع العمليات العسكرية ضد البؤر الإرهابية، وكأننا لم نستفد من دروس الماضى القريب.
بعض صحفنا ومواقعنا الإخبارية تسرعت فى نشر بيانات ومعلومات مغلوطة حول معركة طريق الواحات، وردد أرقام بثها إعلام الجماعة الإرهابية عبر فضائياتها ولجانها الإلكترونية النشطة على مواقع التواصل الاجتماعي، وأحدثت بلبلة لدى الرأى العام وتسببت فى إثارة الشكوك بشأن قدرة أجهزتنا الأمنية على مواجهة العناصر الإرهابية.
ذات المشهد عشناه قبل أكثر من عامين فى الأول من يوليو لعام ٢٠١٥، عندما هرولت أغلب الصحف وراء بيانات قناة «الجزيرة» القطرية فى تغطيتها للهجوم الذى شنته عناصر بيت المقدس الإرهابية ضد أحد الأكمنة فى منطقة رفح.
حينها تم نشر أرقام غير صحيحة حول أعداد الشهداء والمصابين من ضباط وجنود الجيش المصرى بعد أقل من ساعة من وقوع الهجوم، ولم ينتظر أحد صدور بيان رسمى من القوات المسلحة المصرية بدعوى تلبية حاجة القارئ.
وصدر تعديل تشريعى يقضى بتغريم كل من ينشر بيانا غير صحيح يخص العمليات العسكرية مبلغ نصف مليون جنيه، وبعيدا عن القانون وعقوباته يبدو أن البعض لم يع بعد أن أية عملية إرهابية يصحبها عمل إعلامى ممنهج هدفه الرئيسى بث مشاعر الإحباط واليأس، ونشر حالة من التشكك فى قدرة قواتنا المسلحة وأجهزتنا الشرطية على نحو يفقد المصريين الأمل فى القضاء على الإرهاب وفلوله. الأمر لم يقف عند حد نشر أرقام مغلوطة بشأن أعداد شهداء معركة الواحات وتجاوز الحديث عن ٥٣ شهيدًا إلى نشر أسماء لضباط وجنود لم يرد ذكرها فى بيان وزارة الداخلية الرسمي.
كان بوسع الصحفيين والسياسيين الذين نشروا على حساباتهم الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعى الأرقام والمعلومات التى رددتها فضائيات جماعة الإرهاب وبعض وكالات الأنباء العالمية، التشكيك فى تلك المعلومات بدلا من ترديدها وتوعية الجمهور باستحالة وصول أحد إلى المعلومة الدقيقة بشأن أعداد الشهداء والمصابين فى ظل استمرار العملية الأمنية؛ فمن المؤكد أن عمليات التمشيط والمطاردة تجعل مسألة حصر أعداد الشهداء أو حتى المفقودين مستحيلة ولا يمكن لها أن تتم إلا بعد توقف العمليات وهدوء الموقف نسبيا. لو تبنى الصحفيون والسياسيون هذا الموقف فى معالجتهم لتلك الأزمة، لشكلوا من دون ترتيب غرفة لإدارة الأزمة إعلاميا ولنجحوا فى تشكيل ظهير سياسى وإعلامى وشعبى مساند لوزارة الداخلية وأبطالها على خط المواجهة. اللهاث وراء كل شاردة أو واردة بغض النظر عن صحتها ومصدرها؛ هو ما يخلق الطلب على استهلاك المعلومات بشكل زائد عن الحد لدى الجمهور، ويجعله فى حالة نهم للمعلومة واستعجال لها، فيما يشكل تفنيد المعلومات ونقد مصادرها وشرح طبيعة انتماءاتها حائط صد يجعل الجمهور يتأنى فى طلب المعلومة ويخفض حاجته لاستهلاكها.
ينبغى أن نعى جميعا أن الجمهور متعدد ومستويات وعيه وإدراكه مختلفة وتنعكس على طريقة معالجته وقراءته لما يتلقاه من أخبار ومعلومات؛ وهو ما يظهر فى تعليقاته عبر ما يسمى بـ«الإعلام الجديد»؛ حيث لم يعد الجمهور يكتفى بتلقى المعلومة ويذهب إلى تحليلها وتفسيرها وإعادة معالجتها عبر حساباته الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعي؛ أى أن الجمهور صار شريكا فى عملية توجيه الرأى العام عبر ما يمكن تسميته عملية إعادة تصنيع المعلومة.
ولأنه غير متخصص ومن السهل أن يتأثر باتجاهات الآخرين؛ فقد يشط فى معالجته ويذهب بها إلى دروب تخالف المنطق والواقع.
وفى مواجهة هذه الحالة يصبح على النخبة من الصحفيين والسياسيين توخى الحذر فيما يرددونه لأنهم فى نهاية الأمر يظلون المصدر الرئيسى لما يتلقاه الجمهور من معلومات وأفكار وآراء يعيد هو تدويرها لتخرج فى شكل منتج جديد؛ وهنا مكمن الخطر لا سيما أن بعض هذا الجمهور سقط فى شراك ما يعرف بهوس الإعجاب والمشاركة (اللايك والشير).