تطايرت الأخبار قبل أيام عن تقرير يرصد المدينة الأخطر فى العالم على النساء، وكانت المفاجأة أن تلك المدينة هى القاهرة عاصمة جمهورية مصر العربية، التقرير استند إلى استطلاع للرأى، وإلى شهادات وإلى معايير وصلت إلى تلك النتيجة البائسة ولا نتعجب من ذلك، لكننا نستغرب ونتعجب ونندهش من استقبال أجهزة الدولة المختلفة لتلك النتيجة، فبينما راح فريق منهم خاصة فى المجلس القومى للمرأة يهيل التراب على التقرير ونتائجه، مستندًا إلى أرقام كرتونية للدلالة على تعاظم دور المرأة فى المجتمع المصرى مثل عدد النائبات الذى زاد فى البرلمان، وتغاضى ذلك الفريق عن الإهانات المتوالية التى تلقاها المرأة فى الشارع والمواصلات والعمل بل وفى البيوت أيضًا.
من هذا المنهج الذى يغمض عينيه عن حقائق تبدأ الكوارث، ومن دفن الرؤوس فى الرمال يتوقف التقدم، وتضيق أحلامنا بل قد تتلاشى، تلك الأحلام البسيطة التى تتبلور فى ضرورة تأسيس شارع آمن وسلوك منضبط، هذا الحلم البسيط يكاد أن يصبح مستحيلًا طالما لدينا مسئولون ليسوا على مستوى المسئولية، ومثقفون ارتضوا لأنفسهم الحياة المزدوجة، طامعين فى مقعد أو منصب ينقذهم من شظف العيش.
وقد يسأل أحدكم: لماذا أتوقف عند مثل هذا التقرير الذى قال البعض عنه إنه مشبوه، وتكون إجابتى باختصار شديد هى من استطاع منكم - رجلًا أو امرأة - أن يمشى مائة متر فى شوارع القاهرة دون إحساسه بخطر ما ينتظره، فليعترض على توقفى عند هذا التقرير، لقد أنتجت سنوات العشوائيات ذخيرة مؤلمة من الفساد المُركب، فساد فى الأرواح وفى الذمة وفى الوعى وفى الأخلاق، فساد فى الضمير جعل كل شيء مباحًا، ابتداء من الاعتداء على أراضى الدولة، وصولًا لنهب المال العام انتهاء بالاعتداء على أجساد النساء سواء بالنظر أو غيره من تصرفات غير آدمية.
مصر التى تخرج من سنوات طويلة عجاف هى فى أمس الحاجة إلى الاعتراف ببعض الحقائق البسيطة، إذا كنا نعتمد على دخل السياحة فى جزء من ميزانية مصر، فعلينا أن نتعلم احترام الضيف، وأن نعرف أن أمنه يأتى قبل المزارات السياحية التى نقدمها له، وإذا كنا نعتمد على المرأة العاملة فى عملية الإنتاج بشكل عام، فعلينا أن نعرف أن روحها هى التى تعمل قبل قوتها البدنية، فإذا ما كسرت تلك الروح فى الطريق العام فلن تحصد سوى مرارات وهزيمة. فى كل بلاد العالم المتقدم الذى نريد اللحاق به، تمشى المرأة آمنة مطمئنة، ليس العالم المتقدم فقط بل فى عدد من الدول الآسيوية التى زرتها والتى تتشابه معنا فى ظروفها الاقتصادية، رأيت كيف تتحرك المرأة فى الشارع وهى ممتلئة بالثقة والحيوية، لأنها مطمئنة على سلامتها، علينا أن نعترف بأن الوضع فى بلادنا يحتاج إلى تغيير فى بنية القوانين، وفى الثقافة لنصل إلى أولى المحطات وهى احترام الغير وتقدير بعضنا لبعض. لقد لعبت العشوائيات دورًا خطيرًا على مدار عشرات السنين، وأنتجت ما يمكن تسميته بثقافة الزحام، والعشوائيات التى أقصدها هنا ليست عشوائيات السكن فقط، ولكننا رأينا عشوائيات المال الحرام الذى تكدس من لصوصية ما، وعلى الرغم من سكن أصحابها فيما يسمونه كومباوند إلا أنه لا فرق بين جاهل فقير فى عشوائية سكنية وبين مستبد مترف فى عشوائية أخلاقية. الخوف كل الخوف أن نكرر تلك الكتابة فى السنوات القادمة، إذا كتب الله لنا عمرًا، نبحث عن بارقة أمل تعيد ثقتنا إلى أنفسنا، نبحث عن وقف الفوضى، نبحث عن حرب حقيقية ضد كل ما هو عشوائى فى حياتنا، لتعود مصر الطيبة بأبنائها الذين كانوا ذات يوم أصحاب الحضارة الأعرق، تعود مصر ليأتى إليها العالم كله فى سلام آمنين.