عادت البلد إلى زهوها وعادت مصر إلى عافيتها، ويسجل للدولة والحكومة الفضل فيما عادت إليه البلد، وإن كان ما زالت تشوبها بعد العثرات والعراقيل منها أن الناس بمنتهى الصراحة لم يعودوا يتحملون الحياة المعيشية، فقد صارت ثقيلة إلى درجة أنهم لم يعودوا يستطيعون تحملها، لقد وصل الوضع إلى تحول بعض الأماكن إلى أماكن خاصة بالتسول والمتسولين، بخلاف انضمام عدد ليس بقليل إلى مهنة التسول سواء فى الشوارع أو فى داخل محطات المترو، ومنهم من يرتدى ملابس أنيقة ويقوم بإيقاف الناس ويطلب منهم بعض الأموال بحجة العلاج أو شراء غذاء لأطفالهم، ويبدو أن هناك فارقا كبيرا بين ما يطلبه الناس وما يطلبه بعض رجال السياسة، ويعترف الجميع بأن الاستقرار الأمنى والسياسى هو الممر الإلزامى للاستقرار الاقتصادى والمعيشى، ولكن يلاحظ بعض الخبراء أن رفع الأسعار يتم بطريقة أوتوماتيكية فيما أصبح رفع الرواتب يتم بطريقة السلحفاة، صحيح أن مسألة التعيينات الإدارية هى مسألة تخص المسئولين ولكن انعكاساتها تتم بشكل مباشر على الناس، فإذا جاءت التعيينات على أساس معيار الكفاءة والنزاهة والاستقامة فإن المواطن يشعر بأن حقوقه بدأت تصل إليه، أما إذا جاءت وفق أمور أخرى تتعلق بالمحسوبية وصلة القرابة أو المعرفة بأحد المسئولين فإن هذه الأمور تنعكس بالسلب على الناس وتزيد من حالات الإحباط والسلبية، وما يزيد الطين بلة قيام بعض المسئولين باستخدام الأدوات القديمة التى ثبت فشلها، كل هذه السلبيات لا تتفق مع هذه المرحلة التى تتسم بالشفافية والمصلحة العامة.
متى يقلع المسئولون عن هذه التصرفات لتعم الإيجابية والانتماء للوطن؟
هل صحيح أنه كلما تصورنا أننا نقترب من نور الفجر يحضر من يغرقنا فى الظلام ويمدد للآلام؟! وكلما صرنا متعبين وثقلى بالأحمال يقال لنا أهلا بكم فى استراحة اللعب فى الوقت الضائع؟، وليس فى مصر شىء اسمه الوقت الضائع ولا شىء اسمه طرف اللعب فى الوقت الضائع، فهناك وقت ضائع على مصر يقوم بتضييعه البعض بالتعيينات غير المناسبة وكذلك ترك الناس لمصيرها بدون حماية من جنون الأسعار وترك الأسواق بدون رقابة. واللعب بوقت مصر هو أخطر أنواع اللعب وما أقصر اللاعبين من رجال الأعمال الذين يعتمدون على بعض أصحاب النفوذ الذين يحمون أخطاءهم واحتقاراتهم وينقذونهم عند اقتراب سيف القانون أو الأجهزة الرقابية.
هناك عدد من الأمثلة التى تسكن الملفات المغلقة، وما أكثر اللاعبين الذين يكتشفون أنهم اللعبة! وما أقل الذين يحملون «هموم الناس».
طرف يحسب ما ربحوا سلبا أو إيجابا وآخر من يعترف بأنه خسر شيئا وربح أشياء، ولا صدمة من هجرة الشباب وانكشاف السطو على المال العام وارتفاع منسوب البطالة.
جهود الرقابة الإدارية وضرباتها المتعددة لبؤر الفساد تشيع جوا من النقاء والتفاؤل بين الناس وخطوات كبيرة على طريق محاربة الفساد، ولا بأس بها باعتبار أن يأتى الشىء متأخرا أفضل من ألا يأتى أبدا وفى هذه الأجواء يتساءل الكثير من الناس متى سيتم استرداد الأموال المنهوبة والمهربة فى البنوك الأوروبية والسويسرية؟
هل آن أوان المحاسبة؟ ربما ولكن قبل الإقدام على هذه الخطوة لا بد من اتخاذ جملة من الاحتياطات والمعايير، ولكى تأتى الإجابات إيجابية علينا أولا أن نبدأ عملية الإصلاح عند أصحاب النفوذ، فكل الناس يعرفون أنه لا أحد يجرؤ على ارتكاب أى مخالفة من دون غطاء سياسى من صاحب نفوذ يستطيع أن يمد يده لرجل الأعمال أو التاجر أو صاحب شركة المقاولات لإنقاذه عند اللزوم أو يسانده عند ارتكاب المخالفات، وقطاع المقاولات يصرخ بكل هذه المساندات والمخالفات، ولكل شيء مقابل، تلك هى الحال فى بعض المرافق والقطاعات.
فإذا أردنا نجاح الإصلاح يجب أن نبدأ من عند المسئولين لبعض القطاعات والإدارات، وإذا ما تمت هذه الخطوة الجبارة فإنها تكون قد وضعت نفسها والبلد على السكة الحقيقية للتقدم والإصلاح، أما إذا كان الأمر مجرد «فرقعة إعلامية لامتصاص بعض الغضب» فإن الفساد سيستمر ونستقوى على الصغار الفاسدين ونترك الكبار.
نقول هذا الكلام لأن الفساد لا يستحى بما يقوم به من أعمال، لقد حان الوقت لأن تتوقف الحكومة عن استضعاف الناس ولا تستقوى على الفاسدين؛ فأخطر ما يواجه الأوطان تحميل كل الأعباء، وعند ذلك لا تعود تنفع الضراء وغيرها.
فى كل الأحوال نحن أقوى من الظروف وسنقاوم الإحباط واليأس والتيئيس وسنبقى على ضفة الأمل القائمة على ترؤس عميق فى الصمود