• لماذا يفضل البعض «ثقافة الثورة» على «ثقافة الدولة»؟
• ولماذا بضاعة الثورة رائجة فى أوساطنا، بينما ثقافة الدولة تعانى الركود والاستهجان؟
• قناعتنا أن العقل المصرى عقل قروسطى ليست لديه قدرة على نزع البداهة ومفارقة التبسيط والأشكلة وطرح الأسئلة ومحاولة الإجابة عنها والتفكيكية وإعمال العقل والتخلص من الأوهام.
• العقل المصرى باختصار كسول وخلاصى وخيالى ويحلم (بعلى بيه مظهر… وهوبا فوق)، يفكر بأسلوب الطفرة والخلاص الفورى والانعتاق والانقطاع التام مع الماضى فى لحظة!!
• يفكر بطريقة (المصباح السحري) (يحُكّه فيحضر العفريت فيطلب فتتحقق الاحلام فورا).
• إنه الميل إلى تحقيق الأحلام دون أقل مجهود والانعتاق من واقعك فورا!!
• هو عقل يفكر بأسلوب ألف ليلة وليلة و(بساط الريح) الذى سينقلنا سريعًا من حال إلى حال، من النار إلى الجنة الموعودة دون أى مجهود!!
• والثورة مجرد (فورة) تعدك بالجنة وبالعدل وبالفراديس الغَنّاء، لكنها وغالبًا ما تصطدم فى النهاية (بقيعان) الواقع ومنحنياته وتعقيداته ومآسيه!!
• الدراما التليفزيونية ساعدت ذلك العقل على التمادى فى كسله وغذت أوهامه، واستثمرت جهله وتملقت ذلك الجهل ورسخته ونمته!!
• مسلسل ٣٠ حلقة مثلا يتكلف ملايين، ليحكى لك قصة ممرضة طببت ثَريًّا صدفة فوقع فى غرامها وتزوجها وفتح لها أكبر مستشفي، فتحولت الممرضة إلى صاحبة أكبر مستشفى تعيّن وتستغنى وتطرد كبار الأطباء!!
• أحدهم وجد كنزًا، الآخر وجد آثارًا وباعها بملايين، غنية وثرية أحبت فقيرًا معدمًا، ووقعت فى غرامه ورفعته إلى عنان السماء فجأة.
• «سلامة فى خير»؛ لأنه وقع عليه الاختيار صدفة ليمثل دور سلطان بالأجرة ويعيش فى نعيم مقيم (أيامًا معدودة)، وهو عامل كحيان فى محل «وابور جاز»!!
• الثورة أكلافها باهظة للغاية، لكنها سهلة ويسيرة. ليس مطلوبًا منّا أكثر من النزول إلى الشوارع والهتاف والتوحد. والتحول إلى الحالة الجماهيرية التى تخرج أسوأ ما فينا من بدائية وفوضوية!!
• ثقافة الثورة شاهدة على تخلفنا أيضًا؛ فالثورة مثلنا «أداة متخلفة» وقديمة وبدائية وتاريخية لإحداث (التغيير)، وانتفت تمامًا من كل أوروبا.
• نحن نعيش فى عصور (الما قبل)!!
• عصور ما قبل السياسة، عصور ما قبل الدولة. ما قبل قبل الحداثة!!
• المصريون لم يدخلوا إلى (الزمن الدولوي)، وعصور السياسة ولم ينجحوا فى بناء الدولة، دولة المؤسسات، والقانون والمواطنة والمساواة والمواطن....
• لم ننجح فى بناء أحزاب حقيقية، بل لا ندرك أهمية ذلك أصلًا!!
• الأدهى أننا لا نربط بين نجاحنا فى بناء أحزاب سياسية كبيرة وفاعلة ومؤسساتية، وبين تطور أحوالنا!!
• المصريون فقط يشتكون، هم فقط يئنون يصرخون، لديهم قدرة كبيرة على الهدم لكنهم لا يعرفون كيف يكون البناء؟!
• العصر الدولوى عصر يؤمن بالتحرى والدقة والدأب والسهر والتفكير والتفكيك والتدقيق وبذل المجهود المضنى لإحداث تغيير ولو بسيط، لكنه مستمر ومتراكم ويؤدى خطوة خطوة إلى التحسين، ويؤمن بالدراسة والبحث والتغيير المدروس والصغير بعيدًا عن الخلاص النهائى والفورى والطوبى والأوهام.
• الثورة حسب صديقى المفكر «شادى فؤاد» وضعية انفجارية لانسداد الأفق التى تفضى إلى تجاوز الأوضاع المأزومة. مجرد يأس بالواقع وتبرم بالسياسة وأدواتها.
• والثورة كالشعر ميدان للتخييل والتهويم.
• والثورة غالبًا ما تصطدم سريعًا. باتساع البون بين سماوات الحلم ووديان الواقع ومنحنياته!!
• وماضى الثورة التى تعدنا بالانقطاع عنه غالبًا لا يمضى، بل تجعلنا غارقين فيه ليل نهار، ومستقبلها (البهي) الموعود غالبًا ما لا يأتى أبدًا، فالرؤية غائبة أصلًا للثوار ومعرفتهم بالقاع منعدمة وإدراكهم للحالة بائس، وامتلاكهم للحلول الناجزة مجرد وهم كبير، وخطابهم لا يخلو من ادعائية، يدعوننا إلى التوحد دائمًا بينما هم مختلفون وفوضويون، ممزقون ومرضى بالـ أنا وبعبادة الذات وعشقها وبالادعائية والشخصنة!!
• الثورة تحدث عندما تحدث الفجوة وتنفصل الدولة وتنفك تمامًا عن دورها التقليدى، وتنشغل عن مشكلات الواقع وعذابات الناس، والتى من المفروض أن تعكف ليل نهار عليها وتحاول (حلحلتها) تمهيدًا لحلها.
• تحدث الثورة عندما تذهب الدولة بعيدًا عنك وعن آلامك وعذاباتك وشواغلك وعن واقعك، وتتركك تعيش فى قيعان قذرة سحيقة دون أدنى اهتمام، لتبنى لك الأهرامات وتعدك بالخلاص وبالجنة، وتصبح هى الأخرى مثل الثورة تعدك بالجنة فتتحول الدولة إلى «طوبى» هى الأخرى مثل الثورة فتحدث الثورة..
• ويبقى السؤال: كيف نقى الدولة من الثورة؟!.