الغول.. والعنقاء.. والخل الوفى.. مستحيلات ثلاثة.. يقترب كل منها أن يكون بمثابة خرافة لا وجود لها.. كل منها يمثل أسطورة تلهب الخيال وتبتعد بنفس القدر عن الواقع الذى نعايشه.. لكن ماذا عن المستحيل الرابع؟!.. يتبنى عدد كبير من الأكاديميين وخبراء الإعلام طرحا يفيد بعدم وجود ما يسمى بالحياد الإعلامي، وأنه خيال ووهم ولا وجود له فى الممارسات الإعلامية ليس فقط فى مصر أو الدول العربية ولكن على مستوى العالم.. وأنه لا توجد وسيلة إعلامية واحدة محايدة، ولا يوجد إعلامى محايد؛ فالوسائل الإعلامية لها أجندات ومصالح وأهداف تسعى لتحقيقها، والإعلامى بشر له وجهة نظر وله رؤية تجاه أى حدث أو قضية، وبالتالى لا يوجد إعلام محايد، حتى مع أكثر الوسائل الإعلامية ادعاء بالحيادية ستجد بعضا من معالجاتها الإعلامية يتسم بالانحياز رغم أنها وبشكل محترف مغلفة بالحيادية !.. الإعلام منحاز بطبيعته والحياد يعد من المستحيلات التى لا وجود لها، هو فى رأيهم المستحيل الرابع بعينه!.
الحياد عكس الانحياز، والحياد الإعلامى يعنى عدم الانحياز والوقوف على مسافة متساوية من جميع الآراء والتوجهات نحو حدث أو قضية حتى لا يؤثر على المعالجة الإعلامية لها.. الحياد الإعلامى يعنى تجرد الوسيلة وإعلامييها من الآراء والميول والتوجهات والمواقف الشخصية.. ليس هذا فقط بل إن تعمد إخفاء أو إهمال حقيقة أو جزء منها لا يعد حيادا، كما أن تعمد التركيز فى التغطية الإعلامية على زاوية أو رؤية أحادية تتفق مع أجندات أو توجهات وتبنيها سلبا أو إيجابا لا يعد حيادا.. التغطية الإعلامية المحايدة تعنى بنقل كل التفاصيل المتعلقة والخاصة بالحدث أو القضية دون إغفال أو إهمال لبعض جوانبها عمدا ودون التركيز وإفراد مساحات أكبر لتوجهات معينة عمدا.
الحياد الإعلامى بهذا المفهوم ربما لا تجده على الساحة الإعلامية.. هو أمر غاية فى الصعوبة.. يقترب بالفعل من المستحيلات.. لكنه ليس بمستحيل.. هذه حقيقة.. تطبيق الحياد الإعلامى ووجوده فى الممارسات الإعلامية غاية فى الصعوبة لكنه ليس مستحيلا.. بالدراسة العلمية والتدريب وفهم طبيعة العمل الإعلامى وأهميته ورسالته وتأثيره، وجميع جوانب العمل المهنية والأخلاقية، ووجود ضمير إعلامى واحترام لعقلية المتلقي، الحياد الإعلامى ليس مستحيلا.
ورغم ذلك دعونا نقر بأن الحياد الإعلامى «المطلق» فى جميع جوانب العمل الإعلامى لا وجود له على أرض الواقع.. فالمعالجات الإعلامية تختلف وفقا لطبيعتها وقوالب وأشكال معالجاتها.. فالحياد الإعلامى ضرورى وهام فى المعالجات الإخبارية التى تنقل وتقدم الحقائق والمعلومات، أما برامج الرأى التى تحمل وجهات نظر حامليها – والمتلقى يعلم ذلك مسبقا – فإنها تدخل فى إطار مفهوم مهنى آخر غاية فى الأهمية وهو مفهوم «التوازن»، أى التوازن فى عرض جميع وجهات النظر وإعطائها فرصا متساوية فى العرض والمساحة دون تدخل بفرض أو التركيز على رأى أو وجهة نظر حتى لا نخل بالحيادية!.
جانب آخر غاية فى الأهمية هو ما يتعلق بالمعالجات الإعلامية للقضايا والأحداث المتصلة بالأمن القومى والوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، حيث الانحياز دائما لصالح الوطن والمواطن وليس لمصلحة النظام أو السلطة، وهو انحياز فى رأى الغالبية مشروع خاصة إذا ما كان الحياد المطلق سوف يؤثر سلبا على حياة المواطن وعلى أمن وسلامة الوطن.
من كل ما سبق نؤكد أن الحياد الإعلامى ليس مطلقا.. وأنه هام وضرورى فى الممارسات والمعالجات الإعلامية وخاصة تلك المتصلة بالمعلومات والأخبار والحقائق، وأنه يشكل جانبا هاما من جوانب قواعد العمل المهنى فى مجال الإعلام.
مرة أخرى الحياد الإعلامى أمر غاية فى الصعوبة لكنه ليس مستحيلا.. ولا يجب أن يكون وهما بأنه المستحيل الرابع!.