رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

في رثاء ولدي "عمر"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم أكن أتخيل يا ولدي اليوم الذي أبكيك فيه وأذرف الدموع عليك، ولا أنّ أتقبل فيك العزاء، فكنت أنتظرك تذرف هذه الدموع على قبري، وأن تأخذ العزاء بعد مماتي، فما أحرقها من دموع على فراقك، ذهبت بعيدًا عنا، ولكننا نجدك معنا دائمًا بروحك وحياتك التي ملأت بها دنيانا عشر سنوات كاملة، كنا نحلم فيها معا بالمستقبل، تواعدنا كثيرًا ولكن أجل الموت كان سريعًا، ذهبت بأحلامك وتركت لنا وجعًا لن ننساه ولن يداويه الزمن، تخاصمت مع هذه الحياة ومع كل ما فيها، فوقف نبضك، ومعه وقفت نبضات قلوبنا، ليس عن الخفقان، ولكن عن الإحساس بهذه الحياة التي باتت رديئة بعد فراقنا لك.
جاء الوقت الذي أنعيك فيه يا فلذة كبدي إلى النّاس، فلا أحد يدرك حجم معاناتك في هذه الدنيا سوى أبيك وأمك، فضلت أن تخرج منها وآخر كلمة تنطقها شفاهك حمد خالقك، رغم ما تعرضت له من ألم ووجع، ولكنك التزمت الصبر، فحق لك لقب صبور، كنت ترفض أن تتألم، وعندما كنت تفعل كانت آلامك أضعاف صرخاتك المكتومة ووجعك المخبأ بين أضلعك الصغيرة.
كنت ترفض أي مسكنات وترفض الاعتراف بوجعك وتتحدى آلامك، فكنت شيخًا كبيرًا في تحملك، وشابًا يافعًا في حماسك للحياة التي كانت تعطيك ظهرها دائمًا، كما كنت طفلًا صغيرًا في مشاعرك التي كنت تنعم بها على كل من تقابله، حزننا عليك يا ولدي يقابله فرحنا بك وأنت تحمد الله قبل أن تلفظ أنفاسك الأخيرة، فكنت مدركًا لحقيقة الحياة ولعظيم البلاء، فأراك بخبرة الحكيم الذي أدرك حقيقة حياته فآثر الآخرة وهو سعيد بلقاء ربه.
أتذكرك يا ولدي وأنت تلقنني درسًا في اليقين عندما سبقت لهفتي كلامي مستفسرًا من الطبيب عن وضعك الصحي، وبعد أن انصرف حتى قلت لي "اطمئن" بثقة افتقدتها في الطبيب، رغم إدراكي لحالتك الصحية وتفاصيلها بشكل فاق تصوره ودفعه للإحالة على طبيب آخر، لعلي أجد إجابة لديه في جزء كان يجهله، كان يجهل الطبيب قوتك يا "عمر" وتحملك، وكنت تعرف يا ولدي مصيرك وتصبر عليه، بل وتدفعنا للمصابرة، رغم أنك لم تنه عقدك الأول من الحياة، فمن أين لك ما تعلمته يا ولدي، أم أنه علم الله الذي يعطيه من يشاء.
كانت آمالك وطموحاتك وحبك للحياة تسبق أنفاسك التي كتبت لك، كنت تنظر للحياة رغم آلامها برحابة، ترجوها وتنتظر منها، رغم أنها لم تعطك إلا وجعها، فلم تتجرع سوى الآلام، ولكن كنت مصرًا على الحياة، لم ترفضها ولم تلفظها، زهدت فيها كثيرًا منشغلًا بألمك، ولكنك كنت تعاود الحياة من جديد، فما إن حاولت أن تعيشها حتى فاجأتك بآلامها، فأبت إلا أن تتركك بدون وجع.
أعدك يا ولدي أن أحافظ على كل من أحببت، لن أنسى وصيتك لي، سوف أتواصل مع كل من بادلتهم مشاعرك، لم أنس حنينك ورغبتك، ولن أنسى حبك لإخوتك وأمك عندما كنت تتذكرهم دائمًا، وتوصيني بتجنب العقاب، كنت تشاركني في إدارة شئون البيت، وكنت تفاجئني دائمًا بحكمتك وذكائك، أنت ما زلت بجوارنا يا ولدي لم ننسك ولن ننساك، أنت دائمًا معنا وبجوارنا في الصباح والمساء، نتذكرك في كل أوقاتنا.
تواعدنا كثيرًا يا ولدي، ولكن إرادة الله كانت نافذة، وعزاؤنا أنك في ملء أفضل، نقضي ما تبقى من حياتنا على أمل أن نلقاك ثانية، ندرك أنك تقف على باب الجنة تنتظرنا ونعدك بألا نتأخر عليك، فلو كان الأمر بيدنا لطوينا الزمن من أجل لقياك يا ولدي.
وصيتك يا "عمر" محفوظة بين رحايا القلب، لن أنساها، كما تظل صورتك أمامي لن تفارقها عيني ولن يزيغ عنها بصري ما دمت حيا، متذكرًا مواقفك وحكمتك البالغة التي كنت تعطيها لنا دون أن تنطقها شفاهك وهي أبلغ الدروس، أعطتني حياة ضعف حياتي بمواقفك وخبرتك وحكمتك وأنا الذي أهفو إليك بقلبي ورفات جسدي بعيدة عنك يا ولدي.
أخاطبك يا ولدي وأنت في عالم ثان، ولكن على ثقة أن كلماتي هذه تصلك ويخفق معها قلبك كما كان في الدنيا شوقًا إلى أنفس اشتاقت إليك، ولكن هي الدنيا قصيرة يا ولدي، دعها تمضي حتى نلتقي، ولكن وصيتي إليك يا ولدي أن تكون كما كنت، أريدك "عمر" الذي تركته، تستقبلني بنفس ثيابك التي اشتريتها لك، بنفس ابتسامتك التي لا تفارقنا منذ وقت رحيلك، أهمس في أذنك يا ولدي أننا على مقربة منك، قريبًا سوف نلتقي ووقتها لن نفترق أبدًا.