الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

حقيقة ما قبل 52

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من الأكاذيب التى يروج لها بعض الذين نسميهم بالنخبة، وكذلك جماعة الإخوان وغيرهم من أعداء الجيش المصرى العظيم، أن مصر كانت قبل ثورة ٥٢ دولة غنية ومتقدمة، وأنها أقرضت بريطانيا أثناء الحرب العالمية الأولى، وأن الجنيه المصرى كان ذا قيمة عالية أمام العملات العالمية الأخرى، وهؤلاء يدعون أن الضباط الأحرار جاءوا للحكم فى يوليو ٥٢ فأفسدوا كل شىء، وحولوا مصر إلى دولة فقيرة تعانى أزمة اقتصادية ما زلنا نعيشها حتى الآن، وهذا كلام غير منطقى وغير حقيقى بالمرة، وإذا عدنا إلى النصوص التاريخية المتوفرة لكل القراء، سنكتشف أن كل ما زعمه هؤلاء غير صحيح، وأن الهدف هو النيل من جيش مصر العظيم الذى قام بهذه الثورة، ولكننا للأسف الشديد نعيش زمنًا لا نقرأ فيه إلا ما يرسل إلينا عبر مواقع التواصل الاجتماعى، ومعظم ما يتم تداوله فى هذه المواقع لا يمت للحقيقة بصلة، فتعالوا معًا نتوقف أمام كتاب «مقدمات ثورة ٢٣ يوليو» للمؤرخ الراحل عبدالرحمن الرافعى، الذى قال فيه بالحرف الواحد: «كانت الحالة الاقتصادية فى أوائل سنة ٥٢ تحفز النفوس إلى الانتفاض والثورة والعمل على تحرير البلاد من عوامل الفقر التى كانت تتراءى فيها».. ويحدثنا الرافعى تفصيلا عن الاقتصاد المصرى منذ الحرب العالمية الثانية وتحديدا منذ عام ١٩٤٦ حيث بلغ العجز فى الميزان التجارى ١٤ مليون جنيه، وظل هذا العجز يزداد وتضاعف حتى وصل فى عام ١٩٥١ إلى ٣٩ مليون جنيه، أما النشاط الزراعى، وهو النشاط الأكثر رواجًا فى هذه الفترة، فقد استحوذ عليه ملاك الأراضى الزراعية الذين كانوا لا يمثلون أكثر من نصف فى المائة، وهذا ما سمى بالإقطاع. أما الفلاح المصرى فقد كان أجيرا، حافيا، يعانى اضطهادا ويضطر للعمل بالسخرة فى الأراضى التى تمتلكها العائلة المالكة والأتراك وبعض الإقطاعيين من الباشاوات والبكوات، ومما ذكره الرافعى فى كتابه قوله «كانت الغالبية العظمى من الشعب تشكو الفقر وأبرز مظاهره انخفاض مستوى المعيشة إذا قيس بمستوى البلاد الأخرى.. وكانت الحالة الاجتماعية تدعو أيضا إلى الثورة، وأهم مظاهرها فقدان العدالة الاجتماعية بين طبقات الشعب. كل ذلك فى ظل وجود المحتل الإنجليزى الذى قتل الآلاف من شبابنا وجثم على قلوبنا منذ ١٨٨٢، وحول مصر إلى قاعدة عسكرية له، وسرق القطن المصرى بعد نسجه فى المصانع المصرية وأعاده إلينا قماشا إنجليزيا، وأجبر الجيش المصرى على الدخول فى الحربين العالميتين، وفى معاهدة ٣٦ أصرت بريطانيا على أن تكون المورد الوحيد لتسليح الجيش المصرى فلما دخل الجيش حرب فلسطين امتنعت بريطانيا عن تزويده بالسلاح والذخيرة، وكان هذا الامتناع من أسباب هزيمة ٤٨، ومن هذه اللحظة ثبت فى نفوس ضباط الجيش المصرى بأن الاحتلال هو مصدر إضعاف الجيش وتجريد مصر من قوتها، وأنه لا سبيل إلى إنشاء جيش قوى جدير بالمهمة الملقاة على عاتقه، إلا إذا تحررت البلاد من الاحتلال، والذين يتحدثون عن رغد العيش قبل ٥٢ نسوا أن مصر فى ٥٤ أى بعد الثورة بعامين فقط، وبعد إسقاط الملكية بعام واحد، لجأت إلى البنك الدولى ليقرضها كى تشرع فى بناء السد، فلما رفض البنك الدولى ذلك قرر الرئيس عبدالناصر تأميم القناة، وهذا أكبر دليل على أن مصر كانت تعانى أزمة اقتصادية طوال السنوات السابقة على الثورة، بل ومنذ الاحتلال العثمانى فى ١٥١٧، فقد عانت مصر ويلات الفقر وضنك العيش فى ظل الحكم العثمانى، ولما جاء محمد على وحاول أن ينهض بالبلاد اجتمعت عليه الدول العظمى حينها وقررت الخلاص منه والقضاء عليه بمعاهدة لندن ١٨٤٠ التى حدّت من قدرات الجيش، وفى المقابل أعطت محمد على وأسرته حكم مصر، وهل لنا أن ننسى كيف استدان إسماعيل لبناء القصور والأوبرا والمشروعات المختلفة؟ فلما ازداد الدين وعجزت مصر عن السداد، قررت الدولة المدينة أن تعين وزراء منها فى الحكومة المصرية لمراقبة اقتصادها، أما عن الديمقراطية المزعومة فحدث ولا حرج، ويكفى أن نتذكر الأجواء التى كانت سائدة فى مصر كالحرس الحديدى والبوليس السياسى والاغتيالات والجماعات السرية والمعتقلات التى عانى منها الإخوان أنفسهم منذ منتصف الأربعينيات، وحتى قيام الثورة التى تغنوا بها وبقائدها وكتبوا شعرًا فى عبدالناصر ورفاقه، فلما اختلفوا معه فى ٥٤ نعتوه بأقذر الصفات واتهموه بالخيانة والعمالة وأنه صنيعة إسرائيل، تصوروا أن عبدالناصر صنيعة إسرائيل، ومن المدهش أن البعض يصدق هذه التخاريف، وأما المعتقلات التى دخلوها قبل ٥٢ فقد نسوا أمرها وراحوا يتحدثون عن دولة من خيالهم، فأوهموا جيلًا جديدًا لا يعرف شيئًا عما كانت تعانيه مصر بأن الضباط الأحرار قد استلموا جنة ثم حولوها إلى رماد، وهذا محض افتراء، فهم كما أحرقوا مصر فى ٢٨ يناير ٢٠١١ أحرقوها فى ٢٦ يناير ٥٢، وما أشبه الليلة بالبارحة، فقد خرجت المظاهرات فى شوارع القاهرة احتجاجًا على ما حدث فى الإسماعيلية من قتل رجال الشرطة على يد الإنجليز، وأثناء المظاهرات قام البعض بإشعال الحريق فى كازينو بالأوبرا، ولما جاء رجال المطافى لإخماد الحريق منعهم المتظاهرون وأتلفوا خراطيم المياه، وكان إضرام النار فى هذا الكازينو نذيرًا ببدء حريق القاهرة حتى غدت بشوارعها وميادينها أطلالًا وخرائب. فيا سادتى الكرام هذه هى حقيقة الأوضاع فى مصر قبل ٥٢ وليس ما يقال على الفيس بوك، وهذا ما جاء فى بيان الثورة «بني وطنى، اجتازت مصر مرحلة عصيبة من الفساد والرشوة وعدم استقرار الحكم».