أن يخرج سياسيون وكتاب ينددون بالمصالحة الفلسطينية، ويتهمون الدور المصرى بالتخديم على المصالح الإسرائيلية وتمهيد الأرض، لتدخل شمال سيناء كجزء من الحل لا يعنى إلا أن هذا التيار الذى يعبر عن جانب من المعارضة المصرية إما مصاب بالعته والخرف العقلي، وإما أن أجهزة الحرب النفسية والتجنيد عن بعد نفذت إليه، مستغلة سذاجته، بحيث تقوده لتصدير رسائل سياسية وإعلامية تخدم مصالح إسرائيل العليا.
رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، أكثر المستفيدين من تخاريف الزعيم الناصرى حمدين صباحى بشأن المصالحة الفلسطينية، فقد سعى نتنياهو جاهدا لإفشالها بتصريحاته التى حاولت زرع الألغام فى طريق جهود الوساطة المصرية، وإشعال نيران الفتنة فى العائلة الفلسطينية عبر طرح ملفات حساسة كسلاح حماس، لتكون الشرر الذى يعيد إضرام حرائق الانقسام.
تخاريف صباحى جاءت متماهية مع إرادة نتنياهو وإستراتيجيته فى استمرار الشقاق الفلسطيني، وامتدادا يعبر عن المصالح الإيرانية والتركية والقطرية فى قطاع غزة، وهى المصالح التى تتكامل مع الاحتلال الإسرائيلى، وإن تخفت وراء أقنعة دعم المقاومة الإسلامية، بينما تستهدف تكريس فصل القطاع عن الضفة الغربية وتوظيفه للإضرار بالأمن القومى المصرى بجعله نقطة انطلاق لجماعات الإرهاب ومركزا لدعم عملياتها داخل سيناء.
صحيح أن المال الإيرانى كان ولا يزال له تأثيراته فى السياسة المصرية علاوة على الصحافة والإعلام، إلا أن الأمر ليس كله يتعلق بهذا النوع من الرشاوى المتخفية، فجانب منه مرتبط بمراهقة الناصريين على وجه الخصوص وادعاء بعضهم وراثة أستاذية هيكل، وقدرته على النفاذ إلى أخطر الأجهزة، ناهيك عن براعة التحليل وواقعية الاستشراف.
أحد كبار الكتاب الناصريين الذى يعتبره البعض وريث هيكل الأوحد، فهامة عصره وعلامة زمانه، كتب يقول: «إن اتفاق المصالحة الفلسطينية يمهد الأرض لصفقة القرن التى تسعى لتكون أراضى محافظة شمال سيناء المصرية جزءا من حل القضية الفلسطينية بترحيل سكان القطاع إليها»، وأشار الكاتب إلى أن هذه المعلومات مجرد تسريبات، دون أن يعى وريث هيكل أن المعلومات المسربة التى يستند إليها فى تحليله، ليست سوى واحدة من الرسائل الدعائية الإسرائيلية لتشويه الدور المصرى فى عملية المصالحة ومن ثم إفشالها، وكذلك لتشويه النظام المصرى داخليا، وحتى يتم الضغط عليه من قبل كتاب مثله وسياسيين على شاكلة صباحى يقوضون أو على الأقل يعملون على التقليل من شأن أى دور إقليمى تلعبه الدولة المصرية.
المعروف أن دخول شمال سيناء ضمن معادلة حل الصراع كان مطلبا إسرائيليا، حاولت تركيا دعمه، وتصدى له بقوة الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وعندما شرع الجاسوس الإخوانى محمد مرسى فى تهيئة الأرض لهذا السيناريو الأسود قام الفريق عبد الفتاح السيسى وزير الدفاع حينها، باستخدام حقه القانونى فى منع التعامل على الأراضى بالبيع والشراء أو التنازل بعمق خمسة كيلومترات بطول الحدود مع قطاع غزة وإسرائيل.
لا يمكن للدولة المصرية أن تقوم عبر جهازها الشرطى بالقبض على عناصر حركة حماس ومعاقبتهم لدعمهم الإرهاب فى سيناء عبر الأنفاق، وليس أمامها إلا أن تتخذ إجراء عسكريا ضدها على غرار ما حدث ضد بؤر الإرهاب فى ليبيا، أو أن تلجأ لاستراتيجية أكبر تتناسب وطبيعة تعقد الموقف فى قطاع غزة، والمسئولية المصرية تجاه القضية الفلسطينية، وأيضا تجاه الأمن القومى العربى، وقد كانت تلك الاستراتيجية الخيار المصري، بعزل حماس عن استراتيجيات وخطط التنظيم الدولى للإخوان وقطع أذرعه القطرية والإيرانية والتركية، لتكون النتيجة ظهور الرئيس عبد الفتاح السيسى على رأس مائدة المصالحة فى غزة.