السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

من أكراد تركيا لأكراد العراق: أنتم السابقون

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لو أن الرئيس التركى «رجب طيب أردوغان» فاق من حماقاته، واقتطع جزءا، ولو ضئيلا، من وقته لقراءة تاريخ بلاده، لعرف كيف سقطت الإمبراطورية العثمانية، ولكفى نفسه وكفى الشعب التركى بتنوع عرقياته، وتعدد طوائفه، ترقب نفس المصير الذى لحق بأجداده ومجدهم الزائل، لكنه لم يقرأ سوى بروتوكولات حسن البنا، ظل أسيرًا لأوهام داعبت خيالاته فى ارتداء عباءة دولة الخلافة، راح ينشر الخراب فى محيطه الإقليمي، بدون إدراك أن تركيا سوف تدفع ثمن خطاياه، وسوف تجنى ثمار حماقاته فى دعم الأجندة الصهيونية لنشر الفوضى بالبلدان العربية، وهى المخططات التى جرى تمريرها، بدهاء استخباراتى غربي، تحت لافتة براقة، أطلقوا عليها مصطلح «إسقاط أنظمة الحكم من أجل التغيير ونشر الديمقراطية»، فصدقها البلهاء، حكامًا ومحكومين. 
أردوغان فعل كل هذا، بدون أن يعى مفردات القاعدة الأزلية التى تقول «من يلعب بالنار، ستحرق أصابعه»، فالرجل الذى ظل منذ تولى السلطة فى بلاده، غارقا فى الوهم، يستيقظ، على حريق، دبر، بحماقة، لإشعاله فى المنطقة، فامتدت النيران إلى جسده، هو الآن، يقف على حافة مشهد لم يضعه فى حساباته، مشهد تفكيك الدولة على أساس عرقى ومذهبى وطائفى، فإرهاصات المواجهات المسلحة بين الأكراد والحكومة التركية، تلوح شواهدها فى الأفق، وربما تكون المواجهات المرتقبة، أبشع من عمليات الكر والفر المستمرة منذ أربعة عقود، وهى التى ازدادت ضراوتها خلال العقدين الماضيين فى أعقاب اعتقال «عبدالله أوجلان»، زعيم حزب العمال الكردستانى، الذى يسعى منذ سنوات للانفصال عن تركيا.
توافقت أجندة الفوضى الخلاقة مع أحلام أردوغان بدولة الخلافة، وراح يدعم مخططات الفوضى لتقسيم المنطقة إلى دويلات صغيرة، خاض حروبا عسكرية علنية، واستخباراتية خفية، داخل دول الجوار «العراق وسوريا»، وراح ينسق مع الغرب وشركائه فى حظيرة الحمقى «حكام قطر» المارقين عن الصف العربى، لإثارة التوترات فى مصر والبلدان العربية، نسق سرا مع الدولة العبرية، لدعم أكراد سوريا والعراق، فتح حدود بلاده كى تصبح بوابة عبور الأسلحة لهم، للحرب على «داعش»، فحصل أكراد العراق على وعود أمريكية إسرائيلية سرية بإقامة دولة لهم، ليكون انفصالهم مقدمة عملية، لانفصال أكراد سوريا وتركيا وإيران، ومثل هذه الوعود تعيد للأذهان، قصة وعد بلفور لليهود بإقامة دولة لهم على أرض فلسطين، كنصيب لهم من تقسيم تركة الرجل المريض «الدولة العثمانية» فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، والمثير هنا أن حاكم تركيا، لم يراع أبعاد الأمن القومى لبلاده، انساق وراء حماقاته التنظيمية، وتعاون علنا مع إسرائيل حتى صار لها نفوذ، معلوم للمجتمع الدولى، فى مناطق الأكراد. 
الرئيس التركى الذى جعل بلاده قاعدة انطلاق لمخططات تمزيق البلدان العربية، وملاذًا آمنًا لقيادات الإرهاب، بات يشعر بخطر تمزيق تركيا ذاتها، فعلى خلفية استفتاء أكراد العراق على الانفصال، أصيب بصدمة، راح على أثرها يمد جسور التواصل السياسى والأمنى مع الحكومتين العراقية والإيرانية، بل اتفق للتنسيق معهما على أعلى مستوى أمنى وعسكرى، لوأد نتائج الاستفتاء الذى جرى فى العراق ومواجهة خطر امتداده لتركيا، فالأكراد يمثلون أكثر الأقليات العرقية عددا فى الدولة التركية، ويمثلون نحو ربع السكان ويعملون على الانفصال منذ سقوط الدولة العثمانية.
تلك المحاولات لا يمكن اعتبارها نوبة «فوقان» يعقبها الندم على التورط فى سيناريوهات الفوضى الخلاقة، التى جعلت المنطقة العربية على اتساعها الجغرافى مسرحا للعمليات الإرهابية، بهدف إضعاف جيوشها وتفكيكها وتمزيق أقطارها، دويلات صغيرة، هشة، يسهل التهامها، كما لا يمكن اعتبارها نوعا من تحسين العلاقات مع محيطه الإقليمى «إيران وسوريا والعراق»، لكنها المصالح التى تجبر على التصالح، فقد بات واضحا، أن مستقبل تركيا، لا يمكن استثناؤه بحال من الأحوال عن مجمل الوضع الإقليمى بكل ما فيه من نيران مستعرة تحت الرماد، لذا فإن القراءة الدقيقة لمعطيات الواقع، تؤكد أن تداعيات الاستفتاء الكردى على الانفصال من العراق، ازعجت تركيا وإيران، وصارت حكومتاهما تعملان على التوافق مع سياسة الحكومة العراقية ودعمها فى رفض الاعتراف بالاستفتاء ونتائجه. 
لم يكن موقف أردوغان يحمل نبلا أو شرفا سياسيا لرجل دولة يقدر المسئولية، بقدر ما يحمل مخاوف من أن انفصال أكراد العراق، حال نجاحه، وبالضرورة، سيطال تركيا، وسوف يدفع لتشجيع أكراد تركيا وإيران وسوريا، على السير فى نفس الطريق، بحسب الوعود الأمريكية والإسرائيلية للأكراد.
تركيا ذاتها ستصبح، شئنا أو أبينا، مسرحًا للتوتر الداخلى، بفعل سياسات حاكمها الأرعن، كما أن السيناريوهات التى نرى مشاهدها على أرض الواقع، لا تختلف كثيرا عن اتفاق سايكس بيكو، ولا تخرج عن مضمون «وعد بلفور» بإقامة وطن لليهود على أرض فلسطين، بما يعنى أنها لم تكن ترجمة لمغامرة طرأت على أذهان صانعيها فى لحظة طيش، عابرة، لكنها سيناريوهات مدبرة منذ مائة عام بالتمام والكمال، والواقع يؤكد أن أكذوبة «الربيع العربى»، جزء من خديعة كبرى، روجت لها دوائر غربية محترفة، داعبت بها خيالات الحمقى والبلهاء، فسار فى ركبها أصحاب الطموحات الوهمية مثل أردوغان وحمد بن خليفة، وغيرهما من الأدوات التى جرى استخدامها، هؤلاء جميعا، تجاهلوا بفعل البلاهة حقيقة الاستراتيجية الغربية الصهيونية، التى تمت على أنقاض الإمبراطورية العثمانية.