الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عمرو موسى بين "التفاؤم.. والتشاؤل"!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قبل أن تشتعل فتنة التنابز بالمواقف التى تثيرها عادة الذكريات السياسية، لأنه لا ينطبق عليها المفهوم العلمى للمذكرات، لأنها تفتقر إلى التجرد وتميل إلى الشخصية خاصة بالنسبة للساسة الذين لهم ميول استعراضية، ويكون هذا غالباً على حساب الحقيقة وذكريات عمرو موسى تشبه تماما الأصداء التى أحدثتها "تجربتى" للمهندس عثمان أحمد عثمان ولأنه حديث العهد وقتها بالعمل السياسي فقد أوقع النظام كله فى حرج لأنه كان محسوباً على الرئيس السادات، لكن من سوء حظ عمرو موسى أن الرئيس السيسى ليس له سياسيون محسوبون عليه 
ومعرفتى بعمرو موسى بدأت فى منتصف السبعينيات حينما كان أقرب جهاز السكرتارية لوزير الخارجية وقتها إسماعيل فهمى ويضم جهازه أيضاً مجموعة من رجال الخارجية يشرف عليهم أسامة الباز ويعاونه عمرو موسى وبلدياته محمد البرادعى، واستطاع عمرو موسى أن يصل إلى منصب مندوب مصر الأمم المتحدة ثم يخلف الدكتور عصمت عبد المجيد الذى أصبح أميناً للجامعة العربية بعد أن عادت الجامعة إلى مصر، وعادت مصر للجامعة 
وكانت وزارة الخارجية هى حلم حياته الشخصى حيث كان يقول لزملائه فى الجامعة وهو فى مرحلة الليسانس قبل أن يتخرج فيها (قائلا: سوف أصبح وزير خارجية مصر) وتحقق له هذا الحلم وربما لم يتحقق لرئيسه أسامة الباز الذى كان فى دائرة صناعة القرار السياسي، لكن يبدو أن زهده فى المناصب جعل آخر ظهور له فى ميدان التحرير لبعض الثوار موقفا شريفاً نزيهاً لرجل ضرب المثل فى الإخلاص لوطنه من خلال مسئوليته فى أعلى المناصب لكن عندما تصادم ضميره مع حسابات الحكم إنحاز إلى ضميره ولم يتخل عن نزاهته مقابل أى الحصول على مكاسب زائلة!
ولا أريد أن أتحدث عن عمرو موسى الوزير وأسرد علاقاته مع الدكتور بطرس غالى بل ودوره كوزير ملتزم فهذه الوظيفة تحديداً يكون المسئول عنها هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومى ودائرة صناعة القرار السياسى السيادى فهى إحدى الغرف التى يعتمد رئيس الدولة عليها فى أهم أركان آلية الدولة لكن عمرو موسى كان يميل إلى الأسلوب الاستعراضى متصوراً أنه لا يعتبر نفسه سكرتيراً للرئيس للشئون الخارجية لكنه صانع سياسة، مما جعله يضع أحيانا ًرئيس الدولة فى موقف محرج فقد لجأ حسنى مبارك الرئيس الأسبق إلى أسلوب توفيقى وهو تشكيل لجان قومية للنظر فى بعض القضايا تضم عدداً من الخبراء والأساتذة الأكاديميين وجهاز الأمن القومي وطبعاً جميع الاراء فى مثل هذه الجلسات تكون فى حضور عمرو موسى 
سمعت واقعة أنا متأكد من صحتها أنه فى أحدى القضايا عرضت الدكتورة نازلي معوض رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة رؤيتها فما كان من الرئيس حسنى مبارك أن وجه كلامه إلى عمرو موسى (قائلا: سامع يا عمرو أنا من رأى الشخصي أنه عليك العودة مرة أخرى إلى مدرج كلية الحقوق لكى تدرس هناك من أول وجديد...) وكان رد عمرو موسى الضحك من أعماقه لكي يظهر أمام الاجتماع "البساط أحمدي" بينه وبين الرئيس وأنه يحرص على أن يمازحه دائماً لإضفاء جو من الفكاهة على الاجتماعات للحد من حدتها.
ولا أريد أن أحدثك عن تصريحه فى 15 ديسمبر 1995 بمقاطعة مصر للجنة مراقبة الأسلحة فى المحادثات المتعددة الأطراف إذا لم توافق إسرائيل على مناقشة وقف انتشار السلاح النووى .. صحيح أنه تصريح لكن الذى كان يعلمه وزير الخارجية، بل كنت أنا كصحفى،  كنت أعلم أن هناك اتفاقا بين الرئيس مبارك وشيمون بيريز بتأجيل هذا الموضوع لمدة عام وهذا التقديم يعتبر خرقاً للاتفاق، ولا أريد أن أتحدث عن ممارساته بالجامعة العربية وطلاقاته مع عدد من الزعماء العرب فى مقدمتهم القذافي، ولا أريد أن أتحدث عن فشل المفوضيات المنقولة من الأمم المتحدة ولا أريد أن أتحدث عن رئاسة لجنة الدستور وبعض النصوص الملغومة لكن فى كل الأحوال أحترم الدستور .. لكن ما سمعته عن أنك مسئولاً كما ذكرت فى الكتاب عن الوجبات الساخنة لتغذية الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والذى تحل ذكراه.
وهناك مواقف عديدة لم يذكرها عمرو موسى فى "كتابية" وأرجو أن يكون "كتابيه" بشماله والسؤال هل كانت الوزارة المسئولة عن معدة تغذية الرئيس عبد الناصر هذا الغذاء السويسرى الذى يعشقه وهل أصبح من تقاليد ووظائف الخارجية وأن يكون مسئول المطبخ أحد ألمع دبلوماسييها، فهل أصبحت وظيفته الأصلية "طباخ الرئيس" ولما لم يذكر لنا أنواع الطعام وقوائمه، ولماذا قرر حذفها فى الطبعات القادمة رغم أن القراء يطالبون المزيد من الإيضاحات.
إن عمرو موسى من قلائل الدبلوماسيين الذين يميلون إلى استخدام موضوعات فى السفريات الدبلوماسية لتمكنه من قواعد اللغة العربية فقد كان يرد ردودا رومانسية على الأسئلة السياسية التى لاتعرف العواطف وأسجل له شخصيا حق "الملكية الفكرية" في ابتكار مصطلح سياسى فريد حين يسأله صحفى عقب أى محادثات: هل أنت متفائل فيرد بطاووسية تعكس فصاحته وقدرته على توظيف اللغة للوصول إلى المعنى المطلوب فيرد بكل ثقة لا تقل أحيانا إلى درجة الغرور فبدلاً أن يقول إننى لا متفائل ولا متشائم فيرد قائلا إننى "متفائم".. ومرة أخرى يصف الموقف أننى "متشائل" والإجابة تعكس فى هذا الذكاء اللغوى لكن للأسف لم أجدها فى "كتابيه" لأنه تعمد ذكر وقائع شخصية استغرقت وقته كاملا، وعمرو موسى هو أول وزير يغنى له مطرب شعبى هو شعبان عبد الرحيم أغنية بحب عمرو موسى وبكره إسرائيل، والآن وقد أصبح طموحه تجاوز المناصب التى وصل إليها.. فهل ستظل هذه الأغنية صالحة للمستجدات الدولية أم انتهى تاريخ صلاحيتها!
"ملحوظة" العنوان الذى اختاره عمرو موسى منتقى من الآية 18 من سورة الحاقة، ومهما كان ثراء التجربة فهو لا اختلاف على تجربة الدبلوماسية.