الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

حياة الروح

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
صديقي القارئ، لو سألتك سؤالًا وقلت: ما أفضل نعمة أنعم الله بها عليك، فبماذا ستجيب؟ ومهما تكن الإجابة، فأنت لو سألتني هذا السؤال، سأقول لك: إنها نعمة الحياة.
نعم، فأعظم نعمة منحها الله إيانا، هي أن نفخ فينا من روحه، فدبت في أجسادنا الحياة.. إنها نعمة الحياة.. فما أعظمها من نعمة! نعمة كونك إنسانًا حيًّا، تتنفس وتأكل وتشرب وتفكر، وتستمتع بالجمال الذي خلقه الله في هذا الكون.. تخيَّل لو أنك لم تُخلق، أو أنك بعد الموت لن تعود إليك روحك، فتعود إليك الحياة.. هل تخيلت؟ تخيَّل الأمر ثانية بمزيد من التروي والتدبر.. إنه أمر شديد الصعوبة ولا يريد العقل أن يقبله.
كثير من البشر لا يخشون الموت، فقط لأنهم يعلمون أن بعده حياة.. نَعَم، علينا ألا نخشى الموت، فهو مرحلة انتقالية.. مرحلة مؤقتة.. تأتي بعدها الحياة الأبدية.. حيث الخلود.. حيث اللانهاية.. هناك لن نخشى النهايات، فليس ثمة نهايات بعد.
يا الله ما أكبرك! ما أجلك وأعظمك! لقد خلقتنا، وخلقت فينا الوعي والإدراك، خلقت فينا الشعور والإحساس.. وخلقت لنا هذا الكون الجميل المتناسق، وسخرت لنا كل ما فيه.. يا الله ما أكرمك؛ لأنك خلقت الحياة، ومهما تكن الحياة أليمة، فهي من غير شك أفضل من اللاحياة.. نتألم كثيرًا فيها، نمرض ونفقد ونعاني من كل معاني الخذلان والهجر وشظف العيش.. ولكن كل هذه الابتلاءات ما هي إلا تمهيد للحياة الأبدية، الحياة الأكبر والأجمل.
ثمة عبارة نرددها كثيرًا على عجل، وأحيانًا دونما قصد، ولكنها تحتاج إلى عُمْر من التأمل.. (بضدها تتميز الأشياء).. إنها عبارة تُخفى وراءها آلاف المعاني.. فلولا المرض لما عرفنا قيمة الصحة، ولولا الحزن لما شعرنا بلحظات السعادة الحقيقية، ولولا صعوبات الحياة وتقلباتها لما عرفنا للراحة طعمًا، ولولا مرارة الفشل ما تذوقنا حلاوة النجاح، وإذا أردت أن تشعر بقيمة النور، فعليك أن تتأمل وحشة الظلام؛ فالضد يُظهر حسنَه الضد، وبضدها تُعرف الأشياء.
فلماذا لا نقدِّر نعمة الحياة؟! لماذا نشعر بالملل والضجر منها، ونعيش تعساء؟! إننا مع كل شروق شمس نولد من جديد ونُعطى فرصة أخرى للعيش.. فهناك من ينام ولا يصحو.. ولذلك فإن أول شيء ينبغى أن نفعله عندما نفتح أعيننا على ضوء الصباح، هو أن نشكر الله؛ لأننا لا زلنا على قيد الحياة، فإذا لم نُقدِّر نعمة الحياة سنُحرم الإحساس بجمالها، فتصبح حياتنا نقمة، فمن لا يؤمن بالأمل حتمًا سيذوق الألم.
ألم يُخيِّل إليك ذات مرة، وأنت مستغرق في نومك، أنك تسقط من ارتفاع شاهق، وتظل تهاوى وتهاوى، وأنت تصارع من أجل عدم السقوط؛ إذ تشعر أثناء ذلك أن روحك تنزع منك، وأن حياتك ستنتهي، فتظل تحاول وتحاول من أجل البقاء، من أجل أن تبقى روحك في جسدك، ثم تنتصر في النهاية، وتستيقظ من هذا الكابوس، فتضع يدك على رقبتك لتتأكد من أن روحك لا زالت فيك..إنه حب الحياة الكامن في اللاوعي، ولما لا؟ ونعمة الحياة هي أرقى النعم؛ لأنها النعمة الكبرى التي تحوي كل النعم، ورغم أن نعم الله لا تعد ولا تحصى، ولكن ما من نعمة خلقها الله إلا وترجع إلى نعمة الحياة.
فهيا انهض وسِرْ في سبيل الحياة.. فمن نام لن تنتظره الحياة.. فلقد خلقك الله حرًّا طليقًا.. مثل طيف النسيم ونور الضحى.. ومثل الطيور في رياضها.. والعصافير في أوكارها.. هيا انهض الآن، فإذا لم تعرف ما هى الحياة، فلن تعرف ما هو الموت.. وإذا سألوك: ما سر هذا الجمال في روحك؟ قل لهم: إنما الروح من أمر ربي.