رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

العدالة والقانون «5»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يستعمل رولز كلمة «شعوب» بدل كلمة «دول»؛ لأنه وجد فى الشعوب سمات تختلف عن سمات الدول منها: أن الشعوب لا تحركها منافعها الخاصة، بل تحدد مصالحها الأساسية بشكل معقول دون المساس بمصالح الشعوب الأخرى، أى أن الشعوب تمتلك جانبًا أخلاقيًا، بخلاف الدول التى دأبت أن تكسب مصالحها حتى وإن كانت على حساب مصالح دول أخرى؛ وأن الشعوب لا تمتلك السيادة حتى فى التعامل مع مواطنيها، مما يعنى أن الدول الكبرى والمنظمات الدولية تمتلك كامل الحرية فى التدخل فى شئونها. و«الدول هى الطرف الفاعل فى العديد من نظريات السياسة الدولية حول أسباب الحرب والحفاظ على السلام. وكثيرًا ما يُنظر إلى الدول على أنها عقلانية شديدة الحرص على قوتها – أى قدرتها (عسكريًا واقتصاديًا ودبلوماسيًا) على التأثير فى الدول الأخرى – وتعمل دائمًا على تحقيق مصالحها الأساسية».
وهذا يذكرنا برأى كانط فى كتابه «مشروع للسلام الدائم»، الذى نشره عام ١٧٩٥، والذى أعلن فيه أن إنشاء «حلف بين الشعوب» هو السبيل الوحيد للقضاء على شرور الحرب وويلاتها. ولا بد من الاعتراف –على حد قوله –«بأن الدول ما زالت فى علاقاتها الدولية على حال من الهمجية والانحطاط البهيمي، وأن الوسيلة الوحيدة للخلاص من هذا الوضع هو اقتلاع الداء من جذوره والاستعاضة فى كافة العلاقات الدولية عن حالة الطبيعة بحالة الشريعة وتنظيم الأمم جميعًا عن طريق تعاقد حر بين الأفراد، أى جمع هذه الأمم فى تحالف سلمي».
ويقدم رولز مفهوم «قانون الشعوب» من خلال نظريتين هما: «النظرية المثالية» التى تشمل مجتمع الشعوب الديمقراطية الليبرالية، والشعوب السمحة التى تتمتع بسمات معينة تجعلها مقبولة لتصبح جزءًا من مجتمع الشعوب. والنظرية الأخرى هى «النظرية اللا مثالية»، ويندرج تحت هذه النظرية نوعان من المجتمعات، النوع الأول: مجتمعات ترفض فيها الحكومات أن تحترم قانونًا معقولًا للشعوب، يطلق عليها تسمية «الدول الخارجة على القانون»، ويناقش رولز فيها الإجراءات التى يمكن للشعوب الليبرالية والشعوب السمحة أن تلجأ إليها فى مواجهتها لمثل هذه الدول. النوع الثانى من المجتمعات التى يندرج تحت النظرية اللا مثالية هو المجتمعات المغلوبة على أمرها، مجتمعات مثقلة الكاهل بظروف غير مواتية، أى مجتمعات لها ظروف اقتصادية واجتماعية وتاريخية تجعل من الصعب – وربما من المستحيل – أن تصبح مجتمعات جيدة التنظيم سواء ليبرالية أو سمحة.
ويحدد رولز مبادئ المساواة بين الشعوب، مؤكدًا أن مثل هذه المبادئ سوف تفسح المجال لأشكال متعددة للروابط التعاونية والاتجاهات بين الشعوب، إلا أنها لم تصل إلى قيام ما يسمى بـ«الدولة العالمية». وهنا يوافق رولز ما ذهب إليه كانط فى الاعتقاد بأن الحكومة العالمية سوف تكون حكومة هشة ممزقة بحروب مدنية مستمرة عندما تحاول الثقافات المنفصلة أن تكسب استقلالها السياسي. يقول كانط: «إن فكرة قانون الشعوب تقتضى الانفصال بين الكثير من الدول المجاورة المستقلة، وهى فى نظر العقل أفضل من ضم تلك الدول تحت لواء دولة واحدة تطغى على سائرها وتصير ملوكية شاملة، فالواقع أنه كلما اتسعت رقعة الدولة ضعفت قوة القوانين».
من هذا المنطلق يحدد رولز المبادئ المتعارف عليها للعدالة بين شعوب حرة وديمقراطية، وهى ثمانية مبادئ على النحو الآتي: 
١- الشعوب حرة ومستقلة، كل شعب يحترم حريات الشعوب الأخرى واستقلالها.
٢- يجب على الشعوب أن تحترم المعاهدات والتعهدات.
٣- الشعوب على قدم المساواة، وهى أطراف فى الاتفاقيات التى تلتزم بها.
٤- تحترم الشعوب واجب عدم التدخل.
٥- الشعوب لها الحق فى الدفاع عن النفس، ولكن ليس لها الحق فى شن الحرب أو التحريض عليه لأسباب غير الدفاع عن النفس.
٦- تحترم الشعوب حقوق الإنسان.
٧- تلتزم الشعوب بقيود محددة فى ممارسة الحرب.
٨- يجب على الشعوب مساعدة الشعوب المغلوبة على أمرها التى تعيش تحت وطأة ظروف غير مواتية، تمنعها من أن يكون لها نظام اجتماعى وسياسى عادل أو سمح.
يرى رولز أن هذه المبادئ تتطلب الكثير من الشرح والتفسير، وبعضها غير ضرورى فى مجتمع شعوب جيدة التنظيم كالمبدأ السابع الخاص بالسلوك فى الحرب، والمبدأ السادس حول حقوق الإنسان. أما المبدأ الرابع (مبدأ عدم التدخل) نجد أن رولز يعتقد بوجوب تقييده بضوابط وقيود فى الحالة العامة للدول الخارجة على القانون، وعلى الرغم من أن هذا المبدأ مناسب لشعوب منظمة بصورة جيدة؛ فإنه لا يصلح لمجتمعات شعوب غير منظمة تكثر فيها الحروب والانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان.