فنان من طراز خاص، يحمل تاريخًا فنيًا حافلًا وطويلًا، فموهبته المتفردة جعلته يشارك فى أعمال نجوم الصف الأول، ولا يخلو عمل فنى من اسمه، سواء سينمائيا أو دراميا. إنه الفنان الكبير صلاح عبدالله، أو «عم صلاح» كما يناديه عشاقه ومحبوه، والذى التقينا به، فى حوار من نوع خاص بعيدا عن الأسئلة التقليدية والمعتادة، لنقترب منه أكثر، ونبحر معه للبحث عن «عم صلاح» الإنسان الذى لا يعرفه الكثير، ليبوح لنا بأسرار لم نعرفها من قبل، فكان معه هذا اللقاء..
أجيال
يتمتع صلاح عبد الله بقاعدة جماهيرية كبيرة، لأنه استمر مع كل الأجيال السابقة والحالية، وكان يعاون الكثير من النجوم، منهم من أصبح من نجوم شباك الآن، بالإضافة إلى تنوعه فى كل الشخصيات التى قدمها على مدار تاريخه الفنى الحافل، وجعلته على القمة وسط نجوم مصر والوطن العربي.
وعن هذه الاستمرارية والتنوع فى مشواره الفني، يقول «عم صلاح»: «هناك أشياء فعلتها، ولكن ليس عن قصد وترتيب مني، وإنما لأنها نابعة من تركيبة شخصيتى وطبيعتى الخاصة، بالإضافة إلى قوة ملاحظتى والأشياء التى اكتسبتها على مدار حياتي، وتعلمتها طوال مشوارى الفني، فتركت أثرًا جيدًا داخلي، فهناك فنانون لم يتركوا بصمة، وبمجرد اختفائهم تتوارى عنهم الأضواء، وليس شرطا أن يكون سبب ذلك هو شخصيتهم، ولكن من الممكن أن يصادفهم سوء حظ».
ويكمل «عبدالله»: «أما بالنسبه لي، ولاستمراريتى مع جميع الأجيال، فهى ناتجة أولا عن توفيق كبير من عند الله، ومنذ أن بدأت ليس لدى مشاكل مع أحد فى العمل طوال مشوارى الفني، ودائما أقوم بتغيير جلدى، وأقدم شيئا لجمهورى مختلفًا عما سبق، فاختيارى لكل الأعمال التى شاركت بها، عليها عامل كبير، بداية من الدور والمخرج الذى يجعلنى أظهر بأفضل صورة ممكنة، وأيضا موافقتى للمشاركة مع فريق عمل بعينه، فكل هذه العوامل ساهمت بشكل كبير فى نجاح صلاح عبد الله».
فنان منذ الصغر
ترددت أقاويل بأن صلاح عبد الله لم يكن فى طفولته ما ينبئ بعشقه للفن والاهتمام بعالم التمثيل، حيث تركزت اهتماماته فى كتابة الشعر والعمل بالنشاط السياسي.
وعن أسباب اتجاهه للتمثيل وكيفية دخوله مجال الفن، يقول «عم صلاح»: «كل ما يتم تداوله عن عدم اهتمامى بالتمثيل من صغرى خاطئ، فأنا منذ صغرى أعشق الفن، ولم أدخل هذا المجال بالصدفة، فالفن متواجد داخلي، فأنا مهووس به منذ الصغر، وأقول بالمعنى الدارج: أنا حاسس إننى نازل من بطن أمى وأنا بمثل».
ويضيف: «فالتمثيل هو هوايتى الأولى والأخيرة، أما اتجاهى للكتابة فكان التمثيل سببًا فيها وليس العكس، فبدأت فى الارتجال، وأقوم بتأليف مجموعة من الكتابات كى أقوم بتمثيلها بمفردي، أو مع مجموعة من الأصدقاء، وهذا بالطبع مع فارق الزمن، لأن الـ«يوتيوب» أو التطور التكنولوجى الحادث الآن لم يكن متوافرًا فى الماضى، ومن هنا بدأ تعلقى بالكتابة، ودائما أرى أن الكتابة والخيال مصحوبان بالتمثيل، ومن عشقى للتمثيل بدأت أقرأ كتبًا عنه، وأذهب إلى الأماكن التى تقوم بإعداد الممثل وتهيئته وأتدرب فيها لكى أتعلم».
أشخاص أثروا فى حياته
مر الفنان صلاح عبدالله بالعديد من المراحل فى حياته، وبالعديد من الذين أثروا فى حياته وتركوا بصمة فى حياته، حيث يقول: «بالفعل مررت بمراحل عديدة فى حياتي، والحمدلله كل هذه المراحل أشعر برضا تام عنها، وراض عنها تماما، ومنذ أن ولدت هناك العديد من الأشخاص الذين أثروا فى حياتي، بداية من والدى ووالدتى والمعلمين الذين كانوا يدرسون لي، وهم الذين زرعوا فى حب اللغة العربية والتمثيل، وكانوا يشجعوننى دائما عليه».
ويكمل «عبدالله»: «أما فى إطار الأسرة، فشقيقاتى أحببن فى الموهبة الفنية، ورغم ما مررت به من تحديات فى حياتى الفنية، إلا أن أخواتى لم يتركونى أبدا، حتى وأنا صغير عندما كنت أذهب إلى أفراح أحد من أقاربنا، كنت أقوم بعمل مونولوجات و«شو» فى الفرح، وبصراحة شديدة، فإن اللذين لهما الفضل فى احترافى للتمثيل ودخولى إليه، هو المخرج العظيم شاكر عبداللطيف، النجم العبقرى محمد صبحي، ولهما تأثير كبير فى حياتى سواء على المستوى المهنى أو الشخصي، ولهما مواقف معى لا تعد ولا تحصى.
جرأة عم صلاح
عندما يطل الفنان صلاح عبدالله على شاشة التليفزيون، يتحدث بكل جرأة، وهذا ما دفعنا لسؤاله عن طبيعته الشخصية فى الحقيقة، فأجاب بصراحته المعهودة: «بالنسبة لى أرى أن لكل مقام مقالا، فمثلا عندما أتحدث مع مذيعة فى التليفزيون وأجلس أمامها، ردى يكون فى إطار الحديث التليفزيونى أو الصحفي، وإذا كنت أتحدث بين أهلى وأصدقائى المقربين لي، فأصبح على طبيعتي، وأصبح أكثر جرأة، وأحيانا مع المقربين لى أرفض الإجابة عليهم، وأتحفظ فى كلامى أيضا».
ويضيف «عم صلاح» «كثير من الأوقات ينتابنى شعور غريب مع بعض الأشخاص، حيث إننى يقف ذهنى عن التفكير مع الذى لا يتقبل الرأى الآخر، لأنه فى الغالب رده يكون مزعجا للغاية، ويقوم بتصدير طاقة سلبية لي، وفى هذه اللحظة أشعر باختناق شديد لأننى أشعر بأننى أمام شخص أحمق للغاية، وأنا لدى مبدأ أسير عليه هو أن الإنسان الذى يتحدث كثيرا يخطئ كثيرا، وبالنسبة لى أفضل الصمت والاستماع فى أغلب الأوقات».
لحظات صعبة وإحباطات
مر الفنان صلاح عبدالله بالعديد من الأزمات فى حياته، وهذا ما دفعنا لسؤاله عن مروره بفترات يأس وإحباط طويلة فى حياته، فيقول: «أقولها بكل صراحة
«كثير وكثير» قد مررت بفترة إحباط ويأس طويلة فى حياتي، لكن الحمدلله، أجد الله بجانبى ولا يتركنى أبدا، لأنى دائما عندما أمر بمحنة ما، أسأل نفسي، هل لم يمر صلاح عبدالله بتلك المحنة سابقا؟ وكنت أردد آنذاك فى كل مرة هل هذه المشكلة سوف تهدمنى وتكون هذه نهايتي؟ ولكن بفضل الله أجد كل شىء على ما يرام، ولدى يقين بأن عمر الإنسان ما دام سينتهي، إذن كل شىء سوف ينتهي. ويضيف «عم صلاح»: «رغم ذلك هناك العديد من اللحظات الصعبة فى حياتى تظل عالقة فى ذهني، ولم أنسها، وأغلبها أشياء شخصية وصعبة، مثل أزماتى الصحية التى مررت بها مؤخرا، وأيضا مرورى بأزمات مالية ومعيشية كثيرة، وأكبر هزة حدثت لي، هى فقدانى لشقيقى منذ عامين، وهذا كان سببا فى تدهور صحتي، حيث سقطت ودخلت المستشفى مرتين بعد وفاته». ويقول «عبدالله»: «تعرضت لطعنات من أشخاص قريبين لي، ومنهم من اعتذر لى وسامحتهم، وآخرون لم أسامحهم، أما على الصعيد المهني، فمهما مررت بأزمات فيه فتكون بالنسبة لى صغيرة، ولا تؤثر فى، وتعتبر أقل مشكلة لدى فى حياتي، لأنى مؤمن بمقولة «لا حيلة فى الرزق»، والإنسان فى النهاية لا يأخذ أكثر من نصيبه ولدى يقين أن شهرتى وحب الناس لى هو أفضل رزق لدي، وهبة كبيرة من عند الله لي».
الأمل فى الحياة
وعن كل تلك الأحداث والتحديات التى واجهها «عم صلاح»، سألناه عن الشخص الذى يغرس فيه الأمل فأجاب: «بالنسبة لي، لا أنتظر أشخاصا يغرسون فىّ الأمل كى أخرج من محنتي، فأنا بنفسى أقوم بإخراج ذاتى من الأزمة التى أمر بها، لأنى أسير على مقولة «ما حكّ جلدك مثل ظفرك»، وأى شىء حزين مررت بها أعتبره حالة، وسوف تذهب إلى حالها، وهناك أشخاص فى العمل يجعلوننى أضحك باستمرار وهؤلاء قريبون منى للغاية لأنهم دون قصد من جانبهم يقومون بإسعادي».
رياح الغضب
على قدر طيبة قلب «عم صلاح» وتسامحه، إلا أنه أحيانا ما يغضب رغما عنه، فيقول: «بالطبع كثيرون يعتقدون أن الشخص الذى يسامح بسهولة يستفز بسهولة، وهذا بالتأكيد غير صحيح، وبالنسبة لى من الصعب أن أتعصب أو تهب رياح غضبى بسهولة، وإذا حدثت مع أحد، فإنى بعد ثوانٍ معدودة أقول للشخص سامحنى ولا تغضب منى وأقدم اعتذارى له».
الضمير رفيق الرحلة
يتسم الفنان صلاح عبدالله بشخصية من طابع خاص، حيث يتصف بالهدوء والاتزان، ويقول عن رفيقه الذى يلازمه عندما يجلس بمفرده: «رفيقى هو نفسى وضميرى وخيالى وأفكاري، وعندما أمر بأى أزمة صعبة، أحاول بقدر المستطاع ألا أجلس مع أحد أو حتى مع أسرتي، وخاصة زوجتى وبناتى لأن لديهن ما يكفيهن، وحين أكون سعيدا وفى حالة نفسية جيدة أجلس مع الجميع».
ويضيف «عم صلاح»: «مع مرور عمري، فإن ذهابى للأماكن يختلف من وقت لآخر، فمثلا من ١٠ سنوات كنت دائما أتقابل مع أصدقائى المقربين فى الكافيهات، وأيضا أعشق السفر إلى الإسكندرية، وكنت دائم الذهاب إليها وقت أزماتي كى أرى البحر، ليخرجنى من حالتى المزاجية السيئة، وفى السابق، حياتى كانت مقتصرة على المسرح فقط، وأقضى وقتى كله فيه، أما الآن، أصبحت اهتماماتي مقتصرة على أسرتى واحتياجاتها أكثر، وتغيرت حياتى تمامًا».
سر مفاتيح شخصية عم صلاح
لكل شخص مفاتيح فى شخصيته، يقول الفنان صلاح عبدالله: «أنا شخصية بسيطة للغاية، وأى شخص يمكن أن يكسبنى بسهولة، ولكن أهم شىء أن يكون الشخص صادقا معى إلى أقصى درجة، وإذا ترك الشخص انطباعا خاطئا، لا أحاكمه، بل أعطى له ألف فرصة، ولكنه إذا استنفد فرصه، لا أتعامل معه ثانية». ويكمل «عم صلاح»: «لدىّ قناعة أنه ليس هناك شخص ولد شريرا أو مؤذيا أو أنانيا، لأن تلك الصفات السيئة ناتجة عن عدة عوامل خارجية أثرت فيه، لأننى دائما أفترض فى أى شخص حسن النية، وليس العكس، وإذا أخطأ أحد فى حقى أسامحه وأغفر له».
أمواج الكراهية
وبسؤالنا له: هل استطاع شخص أن يحرك فيه أمواج الكراهية؟، أجاب: «طوال حياتى لم أكره شخصا، وبصراحة شديدة هناك أشخاص من كثرة تصرفاتهم السيئة معى حاولت أكرههم، لكن قاومت بكل شدة وأتجنبهم تمامًا، حتى الأشخاص الذين قاموا بتفجير البلاد وقاموا بالعديد من العمليات التخريبية، حاولت أكرههم وقمت بتحويل كرههم برفض أفعالهم رفضًا تامًا».
مجهول صلاح عبدالله
وبسؤالنا عن ماذا يمثل المجهول بالنسبه له وهل يخاف منه؟ أجاب: «أوقات كثيرة أخاف من الغد، وأظل أفكر فيه كثيرا وتنتابنى مشاعر وأحاسيس معينة ولكنى أتغلب عليها دائما».
روقان عم صلاح
وبسؤالنا له عندما يجلس بمفرده لمن يحب أن يستمع إلى رواد الغناء فى مصر والوطن العربى؟ فقال: «أنا أعشق أم كلثوم، وأستمع إلى كل أغانيها ودائما أقول «أنا كلثومى الهوى»، فأنا من عشاق الست وأدندن لها طوال الوقت فهى المطربة الوحيدة التى تقلّب بداخلى ذكريات الزمن».
زملكاوى بالوراثة
يعشق عم صلاح الكرة بجنون، وعن حبه لها وانتمائه لأى فريق يقول: «أنا زملكاوى بالوراثة، ولكنى لست متعصبا، ومن عشاق كرة القدم فمنذ صغرى أذهب إلى نادى الزمالك».
الأب والجد
وبسؤالنا له عن «عم صلاح» مع عائلته، وهل هو أب ديمقراطى أم لا؟، يقول: «أنا لست أبًا ديكتاتورًا، وحنون للغاية مع بناتى ولدىّ ٣ بنات وحفيدة واحدة فقط، ولا أستطيع القول إن عائلتى هى كل حياتى، ولكن هى أهم شىء فى حياتى ورقم واحد والجزء الأكبر، وبقية حياتى موزعة بين أخواتى وأولاد شقيقاتى الذين توفين وأبنائهن».
وعن التصريحات التى انتشرت على لسان ابنته الكبرى بأنها تخجل منه، قال «عم صلاح»: «أريد أن أوضح شيئا، التصريحات التى نشرت على «السوشيال ميديا» عن ابنتى بأنها تخجل مني، ولا تريد العمل فى مجال الإعلام بسبب ما يعرض عليها كونها ابنة الفنان صلاح عبدالله، غير صحيحة بالمرة، ولم يصدر منها ذلك، فأنا لم أساعدها قط منذ بدأت عملها فى هذا المجال، وكنت أريد أن تعتمد على ذاتها وعملت بقناة الحياة، وغيرها من القنوات الفضائية والإذاعية، ودائما أسال نفسى: هل أنا كأب قصرت معها أم لا؟ ولا أعلم ما الإجابة، لأن الواسطة لا تصنع أحدًا بل تصل به إلى أول الطريق فقط».