تجتاح المنطقة العربية، موجة كبيرة من الإرهاب، المتمثل فى شتى أشكال وأساليب قتل الناس الأبرياء بأعداد كبيرة وبطرق متنوعة، بالإضافة إلى التدمير الكامل للكثير من المناطق، والأحياء، والمؤسسات، والمنازل السكنية، إلا أن الغائب الأكبر وسط موجة الإرهاب هذه هو الضمير المقلق. الضمير الفردى والعربى والإقليمى والدولى، الذى يسمح بالتخطيط والدعم وتنفيذ كل هذا الإجرام والقتل والتدمير، دون أن يستوقف صاحبه ويقلقه ويحاسبه ويقض مضجعه.
الضمير بحكم التعريف، هو ذلك الجزء من الذهن المسئول عن المسار الأخلاقى للإنسان، وبالتالى فهو يوجه الإنسان عبر إعطاء تقييمه وحكمه فيما قد فكر به ونفذه، وفيما ينوى أن يخطط له ويتصرف بموجبه، وهكذا فإنه من مسئولية الضمير، أن يجعل الإنسان يقلق ويتألم ويشعر بالذنب، عندما يقترف أخطاءً وجرائم لا تنسجم والمبادئ الأخلاقية.
إن الدور التوجيهى للضمير فى الحياة، قد أكد عليه الفيلسوف اليونانى سقراط إذ قال: «كما أن القانون يمنع الإنسان من التعديات، هكذا فإن الضمير يمنع الإنسان من القيام بأعمال الشر».
أما اللاهوتى كيركيغراد، فقد قال «أزيلوا الضمير المقلق، فتغلقوا الكنائس»، فالتغيير يبدأ من الضمير المقلق، لأن الضمير المقلق هو الذى يبنى ويحمى الإنسان والمجتمع.
فى رسالته إلى أهل روميه ٢: ١٤ ــ ١٦، يتحدث الرسول بولس عن الضمير الطبيعى لدى الإنسان، الذى ليس لديه شريعة وناموس يوجه تصرفاته، ويقول بولس: «فهؤلاء إذ ليس لهم ناموس هم ناموس لأنفسهم، الذين يظهرون عمل الله مكتوبًا فى قلوبهم شاهدًا أيضًا ضميرهم وأفكارهم فيما بينها مشتكية أو محتجة» (رومية ٢: ١٤)، وبالتالى، يرى الرسول بولس أن الله خلق داخل كل قلب بشرى ضميرا ليكون جزءا من طبيعته البشرية، ليصير الإنسان هو ناموسا وشريعة لنفسه، ضميرًا مهمته الشكوى على صاحبه والاحتجاج عليه وإدانته وتأنيبه، عندما يقوم بممارسات تخالف الأخلاق، وبالتالى، فالضمير هو جهاز الإنذار الآلى الذى ينطلق ليوقظ الإنسان عند ارتكابه المخالفات والتعديات بحق أخيه الإنسان الآخر. إلا أنه بالرغم من إقراره بوجود هذا الضمير الطبيعى، فإن الرسول بولس يعتقد بأن هذا الضمير الطبيعى يبقى عاجزا عن إرضاء الله بسبب الخطيئة التى أفسدت كل أجزاء الإنسان، وهكذا سلبت من الضمير قدرته على التوجيه والتمييز والتحكم فى مساره الأخلاقى، وهكذا نام الضمير نومًا عميقًا، وفقد قدرته على الإقلاق والشكاية والاحتجاج، مما يفسر رؤيتنا لكل أنواع الإجرام والإرهاب والقتل الذى يشهده العالم.
وللأسف، فإن غياب الضمير المقلق العربى والإقليمى والدولى، قد تبرهن ثانية من خلال فشل المفاوضات فى مؤتمر جنيف، مما يعنى استئناف الإرهاب والقتل والتدمير، ويخبرنا الكتاب المقدس أن ضمير الإنسان هو بحاجة ماسة إلى قوة ونعمة من الله، بحاجة إلى مساندة إلهية، وتوبة حقيقية لتوقظه وتقلقه، فيعود إلى كامل عمله الذى قصده الله له فى خلقه إياه فى الإنسان. يقول الرسول بولس: «أنا أدرب نفسى ليكون لى ضمير بلا عثرة من نحو الله والناس» (أعمال ٢٤: ١٦). وكلمة «تدريب» هى كلمة رياضية تصف جهدًا خاصا يبذله الرياضى للاشتراك فى مباراة ما، وبالتالى حتى يكون لنا ضمير بلا عثرة يقلقنا، فهذا يتطلب منا جرأة وشجاعة وجهدًا كجهد الرياضى، فقول الحق فى وجه الباطل يتطلب تدريبًا، واتخاذ مواقف العدل فى وجه الظلم يتطلب تدريبًا، وانتقادا ورفضا لكل أنواع القتل والإجرام والإرهاب أيضا يتطلب تدريبا.
فصلواتنا إلى الله أن يعمل بروحه القدس فى ضميرنا وحياتنا وفى ضمير وحياة كل صانع قرار المسئول عن هذه الأزمات المتلاحقة التى تعصف ببلداننا ومنطقتنا، كما يقلقهم، لأن أى تغيير جدى وحقيقى، لن يبدأ إلا من الضمير المقلق.