الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

نحن.. وكوارث الآخرين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فريدون نحن فى كل ردود أفعالنا تجاه الآخرين، وعنصريون وطائفيون بامتياز.
‏تكمن فرادتنا فى ثقافتنا المعيبة، وردود أفعالنا الغريبة والقبيحة فى أحيان وعقولنا القروسطية.
كشفتنا بشدة أحداث بورما، وأعاصير أمريكا، وموقفنا من الضحايا فى البلدين، حيث جاءت ردود أفعالنا خالية تمامًا من أى بعد إنسانى أو دينى فى آن معًا. 
قتلنا الحزن والأسى وتملكتنا رغبة عارمة فى محاولة إنقاذ الضحايا فى الأولى وضرورة الانتقام والثأر لهم أيضًا.. والتشفى والفرحة وشكر الله على ما حدث للضحايا من كوارث فى الثانية.
فأى خلل عقلى وهوس فكرى انتاب الذين شمتوا وفرحوا فى مصائب وكوارث الشعب الأمريكى، وما كل هذا الإحساس بالانتقام والتشفى وتصورات التدخل والثأر الإلهى الهوليوودية العجيبة منهم، وما كل هذا العجز عن الفصل بين السياسى والإنسانى بين الحكومات والشعوب؟.
أى مرض نفسى عضال يتملكنا؟ إنه رد فعل العاجزين الذين يعيشون فى انتظار تدخل إلهى ينتقم لتخلفهم وتراجعهم وهزائمهم وإخفاقاتهم، إنه حقد وبؤس الطالب الفاشل الذى يركن إلى فشله متمنيا للمتفوقين أن يرسبوا وأن يفشلوا مثله حتى لا تنكشف سوءته وتتعرى عورته ويظهر جليًا فشله وتتعرى خيبته.
حيث كشفت الأعاصير الأمريكية الطبيعية الأخيرة، والتى اجتاحت ولايتين أمريكيتين، وتسببت فى خراب مديد وغير مسبوق تجاوز كل سوابقه. عن عوارنا العقلى وتشوهنا النفسى فى آن معًا، وأكدت مجددا أننا سنظل نعيش بل سنظل نرزح تحت وطأة حالة مرضية مستعصية لا فكاك منها ولا انعتاق ولا أمل فى قرب تعافٍ أو شفاء. 
فعندما عجزنا عن مجاراة الغرب ويئسنا من اللحاق به، وانسحقنا وانمحقنا أمامه عسكريًا، وتخلفنا حضاريًا وعلميًا، ولم نستطع مجاراته فى أى مجال كان، وعشنا على استيراد كل منتجاته وعلمه، وقتلنا إحساس العجز والخيبة والانكسار وعدم القدرة على الانتصاب أمامه، وحدث لنا فوات تاريخى مديد، جعلنا والغرب السابق بقرون كعالمين منفصلين، رحنا نهزى بشكل قروسطى مضحك ومبكى فى آن، معتقدين متوهمين ان الله معنا نحن المتخلفين، الضائعين، المنسحقين الجهلاء، العجزة، وأنه ينتقم لنا منهم بالأعاصير والرياح والطير الأبابيل!
المرض بالغرب هو أشهر أمراضنا الثقافية المعروفة. 
حتى أزهرنا العظيم الذى هو مؤسسة دينية المفروض فيها أنها أكثرنا تدينًا ووسطية وإلمامًا بتعاليم الدين وأخلاق رسولنا الكريم العظيم الذى كان يقف إجلالًا لجنازه اليهودى ويقول لمن يستنكر فعلته ويرفض موقفه «أليست نفسًا؟».
حتى أزهرنا الشريف وقع فى الفخ وأصابه ما أصابنا وكال بمكيالين أيضا. فبينما تشنج واجتمعت هيئته العليا وانفعلت وأصدرت البيانات شديدة اللهجة، والتى وصلت إلى حد التهديد والوعيد لحكومة دولة بورما لتعاملها وردها بقسوة مع الانفصاليين المتمردين هناك وخصوصًا جماعة اليقين المسلحة (لأنهم مسلمون وسنة)، لم ينطق الأزهر (ببنت شفه) تخص ضحايا الخراب الأمريكى الدامى الذى لم يرحم صغيرًا ولا كبيرًا ولا مسلمًا ومسيحيًا ولا يهوديًا ولا ملحدًا ولا حيوانًا أو نباتًا أو طائرًا وهو أمر وتصرف نراه لا يرتقى إلى مكانة الأزهر الشريف وطبيعة دوره وسماحته وتقديمه النموذج والقدوة والمثل للآخرين!!
‏لكن يبقى السؤال ملحًا: متى يتعافى العقل المصرى من أمراضه العضال؟!
ومتى نستشعر ضرورة ستر عوراتنا الفكرية وضرورة التخلص منها وعلاجها؟!
ومتى نفكر بطريقة إنسانية ودينية، وعقل حداثى قادر على الفصل بين الأشياء وقادر على الإدراك والتحديد، مدرك لطبيعة الصراع السياسى الدولى ومبرراته والعلاقات بين الشعوب والبشر والفصل بينهما؟!
ومتى نفكر بشكل مدرك لمصالحنا وبشكل خادم ومحقق لتلك المصالح؟! 
ومتى نفكر أن نسهر على تقدمنا ومحاولة اللحاق بالناجحين والأوائل بدلًا من الركون والقعود والتشفى فى مصائبهم والعيش على أمل وقوعها؟
وإلى متى نعتقد أن الله معنا نحن فقط وحصرًا ودائمًا، بينما نحن وهم وغيرنا وغيرهم جميعا عباده؟
وإلى متى نفكر بأننا نحن المسلمون، والآخرين كفار مارقون، بينما هم أهل كتاب مثلنا والشريعة المحمدية انتشرت وغطت دول العالم، ولم تعد قاصرة على شبه الجزيرة العربية وبلاد العرب. 
ومتى نكف عن عنصريتنا المقيتة، ونحزن ونغضب ونثور ونهدد لموت أناس فى بورما لأنهم مسلمون، ونفرح فى ضحايا الإعصار الأمريكى، لأنهم وحسب اعتقادنا من غير المسلمين؟
متى نتحول ونرتقى إلى التفكير الإنسانى الرسولى للرسول صلي الله عليه وسلم، الذى يتألم لموت أى نفس، بغض النظر عن شريعتها أو أفكارها أو اعتقادها أو آرائها؟!.