تحدث بثقة عن أنه يحصل
على مبالغ مالية من المواطنين مقابل توفير وظائف لهم كعمال في المساجد، وعندما
سألته عن قانونية ذلك أكد أن المسؤولين على دراية
بما يفعل!! وهل يتم توريد هذه الأموال إلى خزينة الوزارة؟ كان هذا سؤالي وجاءتني
الإجابة مهتزة يغلفها اللف والدوران، طلبت منه أن يعيد إلى الغلابة أموالهم التي
جمعوها من السلف وبعضهم باع بضعة قراريط كان يعيش منها، فأكد أنهم سيحصلون على
الوظائف عندما يقرر وزير الأوقاف فتح الباب لإلحاق عمالة جديدة بالمساجد.
لم يكن حديثي مع عاطل أو
شخص غريب عن المنطقة التي جمع الأموال من بسطائها.. لكنه موظف في إدارة أوقاف
أولاد صقر بمحافظة الشرقية وشخصه ومنزله معلوم للجميع، لذلك أفرط البسطاء في ثقتهم
فيه فأعطوه المبالغ التي حددها بنفسه، وحتى يطمئنوا وقع لبعضهم على إيصالات
أمانة.. لم يتنصل منها عندما واجهته بها. مرت شهور وعاودت الاتصال به بعد إلحاح من
أصحاب الحقوق، وفى هذه المرة أنكر ما اعترف به في السابق.. بل إنه طلب عدم الاتصال
به ثانية وعلى من يرغب في تقديم شكوى ضده أن يذهب إلى الوزير شخصيا، وبذلك أغلق
موظف الأوقاف باب الأمل في وجه شباب طال انتظارهم للوظيفة فتحولوا إلى ضحايا
يؤرقهم ضياع الحلم.. ويطاردهم من استدانوا منهم.
جاءني يتحسس الطريق وهو
قابض بيد طفله بعد أن فقد أغلب بصره يشكو من موظف الأوقاف الذى أخذ منه ثلاثين ألف
جنيه هي حصيلة كل ما ادخر وعائد بيع (الجاموسة) التي كانت ألبانها تمثل مصدر الدخل
الرئيسي لأبنائه.
قال الشاب إن الموظف
أقنعه بأهمية الوظيفة خاصة أنه لن يذهب إلى العمل إلا فيما ندر، وأن راتبه الشهري
سوف يتخطى الألف وخمسمائة جنيه، هذا إلى جانب المعاش الذى يحصل عليه فيما بعد.
يبكى الشاب وظيفة لن
تأتى.. وتحويشة عمر ضاعت وهو الذى يعول ثلاثة أطفال. وهذه أرملة تعول طفلين
معاقين.. حصل نفس الموظف على كل مدخرات زوجها منذ خمس سنوات، مات زوجها في حادث..
فذهبت إلى الموظف لاستعادة ما دفعه زوجها لكنه وبخها ونهرها فالوظيفة موجودة لكن
زوجها مات.. وعليها أن تأتى بزوجها ليتفاهم معه!! لم يرق قلب الموظف وهو يشاهدها
تمسك بطفليها المعاقين.. بل هددها إذا فكرت في العودة إليه. ضحايا كثر لموظف أوقاف
أكد المحيطون به أنه لا يعمل منفردا.. بل إن له رؤساء دأبوا على حمايته لذلك لم
يردعه تهديد ولم يثنه نحيب أرملة أو بكاء شاب. صرخات العديد من البسطاء أتمنى أن
تصل إلى آذان د. مختار جمعة وزير الأوقاف بعد أن صم المسئولون في محافظة الشرقية
آذانهم عنها. لقد فتحت الزوايا التي تبنى في القرى والنجوع بابا للنصب تحت مسمى
الوظيفة، يدفع البسطاء ما لديهم عسى أن يلتحقوا بقطار الوظيفة الميري، لكنهم عادة
ما يكونون ضحايا.. تصرع أحلامهم عجلات قطار النصب، ويميتهم عدم التفات المسؤولين
إليهم. لم تكن الزوايا مرتعا للمتاجرين بأحلام البسطاء فقط.. لكنها أيضًا كانت ملتقى
ومخبأ للمتطرفين الذين اتخذوا من الدين ستارا لبث سمومهم معولين على أمية زبائنهم
وضيق يد يعانون منه.. وتلك هي التربة الخصبة لغرس بذور الإرهاب. أعلم أن محافظ
الشرقية اللواء خالد سعيد له باع طويل في محاربة هذه النماذج التي عششت في القرى
والنجوع.. لذلك أطالبه هو الآخر بالاستماع إلى شكاوى ضحايا موظفي إدارة أوقاف
أولاد صقر، عسى أن يتخذ قرارا يردع مافيا المتاجرين بأحلام البسطاء.
Basher_hassan@hotmail.com