ومن الواضح أن ملك حفنى ناصف قد اعتبرت نفسها مسئولة عن مناقشة كل ما تنشره صحيفة «الجريدة» خاصًا بالمرأة، فنقرأ لها مقالا بعنوان «ما ذنبنا» ردت فيه على ما كتبه حضره «الخانقاه» فى الجريدة بشأن تبادل إرسال النشء والمصاهرة بين الترك والمصريين (ص١٣) وتبدأ قائلة «كتب حضرة الأديب «الخانقاه» (وهو طبعا اسم منتحل) يقترح على الأمة المصرية أن تتبادل مع تركيا إرسال النشء من بنين وبنات، وقد أيده كثيرون وعارضه البعض»، وتقول «وهم لم يحيطوا بالموضوع وعذرهم أنهم رجال وقد لا يعود عليهم بالذات ضرر من ذلك.. ونحن النساء أكثر من يتعرض لهذا الخطر».. وتقول «أنا لا أعترض على الموضوع فى ذاته، ولكنى أعترض على بعض نتائجه»، والحقيقة كما تقول باحثة البادية «إن بيوتنا لا تصلح لأن يقتبس منها التركى أو التركية شيئا يزيده معرفة أو علمًا، ولكن بصرف النظر عن هذه الحقيقة المؤلمة، فإن الاختلاط الشديد بين أفراد الأمتين المصرية والتركية، لا بد أن ينتج عنه المصاهرة بين أفرادهما، وبما أن النساء التركيات أغلبهن متعلمات بعكس أخواتهن المصريات، فيكون للتركيات الرواج فى سوق الزواج الآن، أما المصريات فعليهن العفاء، ولهن الكساد». وتمضى باحثة البادية قائلة «إن من يتصفح تاريخ المرأة المصرية الحديثة، يرى أنها كانت دائما مظلومة مهضومة الحقوق، ففى عهد إسماعيل هجم علينا جيش من الشركسيات انهزمنا أمامه، وخرج ظافرا منا بأحسن رجالنا بحيث لم يكن هناك رجل شريف أو نابه بمصر إلا وله أم ولد جارية شركسية ممن اشتراهن إسماعيل»، وتمضى باحثة البادية شاكية من ركود سوق الزواج من المصريات فتقول «ثم ابتدأ رجالنا بعد ذلك فى الزواج من الأوروبيات وليتهن من ذوات الشرف، ولكن كان أكثرهن إن لم نقل كلهن من فريق الراقصات والخادمات وأمثالهن. وكل ذلك يجرى ونحن ساكنات صامتات خوفا من سوء تفسير الاعتراض»، أما عن الوضع فى زمننا وزمن «الخانقاه» فقد تغير الأمر «فنساء العهد الماضى كن جاهلات لا يفقهن شيئا وربما كان ذلك خير قصاص منهن على جهلهن، رغم أن ذلك لم يكن من جنايتهن على أنفسهن ولكنها جناية الآباء عليهن» ثم تقول «أما وقد صار بمصر الآن من المتعلمات من يصلحن للزواج، فإنه يكون من العار أن تجعل من ابنك وهو شريف من أم ذات حسب، فتختار له الزواج من ابنة خادمة شركسية أو راقصة أوروبية» وتسأل «أليس من العار أن تتطلع دائما لما فى يد غيرك ولديك أنت ما هو أفضل منه؟، وإذا قيل إن الرق قد تم القضاء عليه، قلنا إن الأم التركية الأصل تلقن لابنها حنينا إلى وطنها، فينشأ متشبعا بأميالها يحب تركيا ويزهو بذلك، ولعل هذا أحد أسباب تفرق المصريين وهو تعدد أجناس أمهاتهم، فابن التركية يحب تركيا وابن الفرنسية يحب فرنسا وهكذا» (ص١٥) وتمضى باحثة البادية فى دفاعها عن المرأة المصرية وترويجها كأفضل زوجة للرجل المصرى ثم تقول «للخانقاه» «إذا أردت أن تختار لنفسك زوجة غير مصرية، فليكن لك هذا ولكن تذكر أختك وابنتك وبنات عمك، وهل تقبل أن يكون نصيبهن التجاهل كما فعلت أنت؟».
ولم يمض مقال باحثة البادية السابق «ما ذنبنا» والذى دافعت فيه عن تفضيل الزوجة المصرية على غيرها من التركيات والأجنبيات، دون ردود تبدت هذه المرة عنيفة بصورة لم تعتدها من قبل، فكتبت تعليقا بعنوان «مدارسنا وفتياتنا» قالت فيه إنها كانت واضحة فى مقالها «ما ذنبنا» وضوحا تاما ولكن «ظهر لى من كتابة المسيو أودولف فى لابورص إجيبسيان والسيدة التركية التى كتبت بعنوان «على الهامش» أنهما ذهبا فى وادٍ وأنا فى وادٍ آخر». وفيما يبدو أن الردود كانت غير مهذبة فملك ناصف التى لم تعتد على ذلك كتبت تقول «أما رد السيدة التركية فإنه يكفى لكى يدل على مدى أخلاقها ودرجة حلمها وحماسها للدفاع عن النساء التركيات، وألتمس لها العذر، لأن المسيو أودولف قد أهاج فى مقالة كامن عواطفها وإن كنت أنا لا أعتقد أننى جرحت عواطف «أبناء الذوات» وإن كان ظنى أنه لا يعرف العربية، وأن الذى ترجم له كلامى لم يحسن الترجمة بما يجعلنى أحمل تهكمه وخروجه عن الموضوع على محمل حسن» (ص١٦) وتترك باحثة البادية هذين المقالين غير المهذبين دون رد. ثم تمضى إلى رد آخر يحمل توقيع «المتحرج من الزواج» وتؤيد قوله «عمن يدعين أنفسهن بالمتعلمات، وهن لسن من العلم ولا من التهذيب فى شىء، وأضر ما يكون هؤلاء إذا تزوجن لأن المتزوجة عليها واجبات شتى وعلى قدر الواجبات تكون المسئولية، فهؤلاء لا يدرين حقوقهن إزاء الزوج، ولا فن تربية الأولاد، ولا كيفية التعامل مع الخدم وتراهن على جهلهن هذا شامخات بأنفسهن نحو السماء ويحسبن الاشتغال بلوازم البيت حطًا من مقامهن فيقضين وقتهن فيما لا يفيد وهن على العموم أكثر النساء إسرافا وتبذيرا، فضلا عن البهرجة وقلة الحياء فلا علم قمن بإتقانه حتى تتهذب نفوسهن ولا على تربية منزلية تعلمهن على الأقل طبخ عشاء بسيط إذا تركتهن الطاهية يوما ما» (ص١٦) وتمضى باحثة البادية فى معركتها المتشعبة، فهى تهاجم العدوان على حق المرأة، وتزهو بأن فى مصر متعلمات يستطعن منافسة التركيات والأوروبيات فى ساحة الزواج، وفى نفس الوقت تهاجم المتعلمات وتتهمهن بالبهرجة وقلة الحياء، وعدم معرفة واجباتها كزوجة وأم وربة منزل ثم هى «تنعى على فئة خريجات مدارس الراهبات والمدارس الأهلية الأخرى تدنى مستواهن من المعرفة قائلة إنها تعرفهن جيدا وحسبك أن تسألهن سؤالا بسيطا عن بعض ما يرددنهن مثل الببغاء فلا يحرن جوابا، فالتدريس فى تلك المدارس يقوم على الحفظ لمقولات أخنى عليها الدهر وليس فيه سوى حفظ ليس فيه تعقل. وقد تنطلق إحداهن لتتحدث عن تاريخ فرنسا دون أن تأخذ نفسها من سرعة الإلقاء، فإذا سألتها عن عمر بن الخطاب أو صلاح الدين الأيوبى قالت لك لا أدري» ثم تقول ملك حفنى ناصف «إن هذه المدارس لا تصلح مطلقا لتربية المصريات، لأنها فضلا عن قلة بضاعة العلم فيها، فإن بناتها على خلق غير ملائم». ثم تقول «نحن المصريين نحب التظاهر دون تعلم حقيقى، فالأمهات عندنا ينصب اهتمامهن على عزف البيانو والرطان لأنهما ظاهرات» ثم تقول «إن أحسن مدارس البنات هى مدارس الحكومة أخلاقا وعلما». (ص١٧) ومرة أخرى نجد أنفسنا أمام شخصية مركبة ومعقدة محافظة أحيانا وداعية للتحرر وفق شروطها المحافظة فى أحيان كثيرة.
ونواصل