لن أشارك في الحفلة الموسيقية الصاخبة المسعورة التي رُتبت لاغتيال السيد عمرو موسي إعلاميا، فقد تطوع الزملاء ما بين إعلامي وصحفي بتعليمات أو اجتهادات، أن يشاركوا في الكورال، ويكون لهم دور في الأوركسترا لتشويه الصورة، بالطبلة والدفوف وأحيانا بالصاجات، دون أن يقرأوا مذكراته.
فطبيعيًا أن الرجل الذى جلس على أرفع مقاعد السلطة والسياسة في مصر والعالم العربى ، بوصفه سفيراً ووزيراً وأميناً عاماً سابقاً للجامعة العربية، وانتهاء برئاسته لجنة الخمسين لتعديل الدستور، تُحدث مذكراته التي عنوَنَها تحت " كتابيَه"، ردودا متباينة وأصواتا معارضة علي رأسها الناصريون، وأخري موالية، وثالثة معتدلة، وربما تتلاطم أمواج مذكراته مع الجميع نخبويا أو شعبويا.
ما لفت انتباهي في تلك الهجمة، النقد الذي تجاوز المسموح من قواعد الأخلاق والشرف والمهنية والنزاهة، لدرجة تجريد الرجل من أي حسنات، وتلطيخ ثوبه الدبلوماسي بالسيئات، بل وأحيانا رجمه كالشيطان الرجيم.
فأطلقوا عليه وابلا من الطلقات _ كونه لا يرتدي سديري واقيا من منصب أو سلطان وخارج دوائر صناعة السياسة فى الوقت الحالى _ انه بلا إنجاز حقيقى يحسب له، وأن محطات فشله أكبر من نجاحه، وأن محطة انتصاره الوحيدة كانت مشادة تافهة مع وزير إسرائيلى، أبقته في دائرة الضوء عبر شعبوية زائفة، وأنه شارك خلال وجوده في جامعة الدول العربية في هدم دول عربية.
و امتدت طلقات المعايرة إلي فشله فى إنتخابات الرئاسة، وإخفاقه في تأسيس حزب سياسي حقيقي، ووضعه دستورًا أدخل الدولة في ورطة، مواده ذات نزعة إنتقامية من منصب رئيس الجمهورية، فأحدث فوضى في الصلاحيات والاختصاصات بين السلطات........إلخ
غارات الأقلام الصحفية، وغزوات الإعلاميين عبر الفضائيات والراديو، شُنت على موسى، عندما ذكر أن الرئيس جمال عبدالناصر كان يهتم بنظام غذائي يؤدي لخفض الوزن، كونه مريضًا بالسكر، ولذلك كان من يخدمونه يرسلون من وقت لآخر من يأتى له بأصناف معينة من الطعام الخاص بـ«الرجيم» من سويسرا، قائلا بالحرف الواحد ( كانت أشياء بسيطة )، وكان يأتى لإحضارها رجل ضخم الجثة، وكنت أنا المسئول عن تسليمها له.
فقد صَكَّ بتعبير دقيق أعتقد أنه قاصده "أن التيك أواي القادم من سويسرا كانت أشياء بسيطة" فلا أري في ذلك الطرح أو المعلومة أي عيب، أو تقليلا من اشتراكية عبدالناصر، أو تهويلا من الدبلوماسي، أو استهدافا لصورة ناصر الزعيم الذي كان طعامه المفضل الجبن والخيار، ولا يمت ما قاله بصلة إلي تلطيخ صورة القائد عبدالناصر بالافتراء.
ما قاله موسي لا يتعارض أو ينفي كون الرئيس الراحل كان مواطنًا بسيطًا ينتمي للطبقة الوسطى، ويستحضر طعامه من سوق الخضار، ويفطر على كوب من الشاي بالحليب ، وعشاؤه الجبن وبعض الفاكهة.
فأطروحة الطعام السويسري لا تضعه ( أي جمال عبدالناصر ) في خانة المتلاعب بقوت شعبه، أو القابض المنتفع من ضرائبهم، أو تنفي عنه شعبيته كونه ممثل الفقراء والمهمشين، المدافع عن مصالحهم والمؤتمن على أحلامهم، وكونه اكتسب مشروعيته السياسية ليس بالانتساب إلى أسرة كبيرة أو عصبية قبلية أو طائفية أو جهوية، وإنما من فئات الشعب الكادحة التي ينتمي إليها بصفته ابن ساعي البريد .
فكلنا نعلم أن ناصر لباسه الشتوى هو الكستور، واللينو لباسه الصيفي، و فرش بيته كان عهدة وقع باستلامها شخصيًا من الأشغال العسكرية، كان سمك البربون أفضل طعامه، والحرنكش هي الفاكهة المفضلة التى كان يطلبها بين الحين والآخر.
أنا هنا لا أحامي عن شخص موسى، وإن كان جائزا، ولن أخوض في النقد أو الثناء لما ورد في المذكرات، فهى وجهة نظره الشخصية، ولكن أسلط الضوء علي فكرة سن الأقلام، لذبح شخصية عامة، من أجل نظام ما أو أسرة حاكمة في حقبة سابقة أو حالية.
ولكن يبقي العيب الحقيقي إن قال موسي إنه كان يستورد كل أكله من الخارج علي خلاف الحقيقة، وهذا كتابيَه !