عقدت كلية الإعلام جامعة القاهرة مؤتمرها العلمي السنوي الثالث والعشرين تحت عنوانٍ لافت، هو «وسائل الاتصال وقضايا الصراع في العالم»، وذلك يوميْ الإثنيْن والثلاثاء ١١ و١٢ سبتمبر الحالي، وذلك برعاية د. محمد عثمان الخُشت رئيس جامعة القاهرة، ورئاسة د. جيهان يسرى عميد كلية الإعلام، وأمانة د. هبة الله السمري وكيل الكلية لشئون الدراسات العليا والبحوث.
وقد تصادف يوم افتتاح المؤتمر مع الذكرى السادسة عشرة لأحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١ في الولايات المتحدة الأمريكية، والذكرى الأولى لهذه الأحداث الإرهابية في عهد الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب.
وكما قلت في تعقيبي على جلسة البحوث الأولى في مستهل اليوم الثاني للمؤتمر؛ فإن الأمريكيين – للأسف - لا يعون دروسهم جيدًا، فالأمريكيون هم مَن صنعوا تنظيم «القاعدة» وحشدوا «المجاهدين» من كل مكان لكى يخوضوا حربًا بالوكالة عن الولايات المتحدة في مواجهة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، وهم مَن سلحوا التنظيم ودربوه، لينقلب هذا التنظيم على البلدان العربية عند عودة أفراده إليها وتأسيس فروع للتنظيم في دول عربية مختلفة، لينته الأمر بكارثة مروعة أدت إلى الأحداث الإرهابية في ١١ سبتمبر ٢٠٠١.
وللأسف أيضًا؛ فإن الولايات المتحدة ليست بريئة من صناعة تنظيم «داعش» الإرهابي، يكفي أن نعلم أن أبي بكر البغدادي قائد التنظيم كان من جماعة «أبو مصعب الزرقاوي»، الذي قام الأمريكيون بتصفيته في العراق والقبض على بعض رجاله، ومن بينهم أبو بكر البغدادي الذي اعتُقل في «جوانتانامو»، وتم الإفراج عنه دون أسباب معلومة.
والغريب أن هذا الرجل مكث عاميْن كامليْن في الولايات المتحدة، ومن السهل توقع أين كان؟ فالأمر ليس بعيدًا أو بمعزل عن المخابرات المركزية الأمريكية CIA فى «لانجلي» بولاية كاليفورنيا؛ حيث تم تدريبه على المهمة التى سيقوم بها لإثارة القلاقل في المنطقة وإعادة تقسيمها لصالح الكيان الصهيونى، وتصدير صورة ذهنية سلبية عن الإسلام بممارسة الأفعال الوحشية ونكاح الجهاد وسبي الجواري وبيعهن في أسواق الموصل في مشهد يذكرنا بزمنٍ بعيد قد ولى.
وقد تبدت مساعدة الولايات المتحدة لتنظيم «داعش» الإرهابي في الاحترافية في ممارسة الأعمال الوحشية الممنهجة، والاحترافية في التصوير الذي يضارع مستوى استوديوهات هوليوود، ولا يستطيع ماسبيرو بأكمله أن ينتج أفلامًا احترافية مماثلة بالجودة والكفاءة نفسها، ووجود خبراء على درجة عالية من التمرس في الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي وحروب الهاشتاج.
ولا يخفى على أحد تلك الملاسنات بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة حين ارتدت عناصر «داعش» إلى نحورها وأذاقتها وبال أمرها في بريطانيا وبلجيكا وفرنسا وإسبانيا، بل إن أوروبا اتهمت مباشرة الأمريكيين بأنهم هم من استضافوا آلاف الحسابات لعناصر التنظيم على «فيس بوك» و«تويتر»، وهو ما ساعد التنظيم في نشر أفكاره الإرهابية وتجنيد عناصر من الدول الأوروبية للانضمام إليه في مواقع القتال في سوريا والعراق.
ولا تزال الولايات المتحدة وحليفتها تركيا، تقدم خدمات جليلة لتنظيم «داعش» حتى بعد محاصرة التنظيم وعناصره في سوريا والعراق وتحرير الموصل؛ حيث تم نقل عناصر التنظيم من المناطق الخطرة إلى مناطق آمنة داخل سوريا والعراق، بل ونقل بعض المقاتلين الدواعش من سوريا والعراق إلى «درنة» في ليبيا؛ حيث يجد التنظيم بيئة خصبة لممارسة الأعمال الإرهابية، وليظل شوكة في حَلْقِ الدولة المصرية على طول حدودها الغربية؛ حيث يمكن اختراق هذه الحدود والقيام بعمليات نوعية تثبت أن التنظيم لم يمت، وأنه لا يزال موجودًا.
وسياسة التنظيم الراسخة التي تقوم على كتاب «إدارة التوحش» الذي يؤسس لفلسفة التنظيم، هو أن يأتي الدولة من أطرافها لكي يخلخل قواها الصلبة من جيش وشرطة ويشيع الرعب في صفوف المدنيين لكي يقيم دولته على أطراف الدولة بعد انفلات قواها، ويدير التوحش الذي يعقب هذا الانفلات.
لذا يجب اليقظة والحذر مما يحدث في سيناء وعلى حدود مصر الغربية مع ليبيا وعلى حدودنا الجنوبية مع السودان، ولعل جولة الرئيس عبدالفتاح السيسي الإفريقية كان الهدف الرئيسي منها هو الحفاظ على الأمن القومي المصري الذي تستهدفه قوى كثيرة لا تريد الخير لمصر.
إن الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال تلعب بالنار، غير مدركة أن اللعب بالنار سيؤدي حتمًا إلى حرق أصابع مَن يلعب بها.
لقد أوضحت دراسة لمؤسسة «كارنيجي» الأمريكية، أن الإحصاءات الخاصة بعدد التغريدات المساندة لتنظيم «داعش» الإرهابي، توضح أن المركز الثاني للتغريدات المساندة للتنظيم تأتي من داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وهذه دلالة خطيرة على أن هناك الكثير من الأمريكيين الذين يعتنقون أفكار «داعش»، حتى وإن لم ينضموا إلى التنظيم بشكلٍ رسمي.
إن هذا يؤشر إلى أن الولايات المتحدة سينالها نصيب من العمليات الإرهابية لهذا التنظيم في الفترة المقبلة، وفي اعتقادنا أن هذه العمليات ستكون أكثر عُنفًا مما حدث في أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١.
وتعلم الولايات المتحدة جيدًا من خلال بعض مُنظريها أن العصر الذي نحن مقبلون عليه هو «عصر الاضطراب العالمي»، وفي وقت من الأوقات كان يمكن للولايات المتحدة أن تدير الصراع في بقاع العالم الساخنة، ولكن في الفترة المقبلة؛ حيث يقع الاضطراب العالمي في مناطق شتى ومتعددة لن نعلم ما نتيجة هذا الاضطراب الذي لا يوجد مَن يديره من ناحية، أو يتوقع نتائجه.
والأخطر فى هذا الاضطراب أن كل القوى تملك أدوات الصراع وفي القلب منها الفضائيات والإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي.
في الصراع المقبل الذي سيكون الإعلام ساحته الكبرى وأدواته الفاعلة، لن يكسب طرف دون الأطراف الأخرى، الكل سيخسر خسرانًا مبينًا، باستثناء الدول التي ستؤمن بتماسكها ووحدة نسيجها القومي مهما تنوعت عناصره الداخلة في تكوينه.
حفظ الله الشعب.. حفظ الله الجيش.. حفظ الله مِصْرَنَا الغالية.