فى الرابع من يونيو ٢٠٠٩ استقبلت مصر الرئيس الأمريكى الجديد - آنذاك- باراك أوباما، حيث التقى الرئيس مبارك فى قصر القبة مدة لا تزيد على الأربعين دقيقة فقط، ذهب بعدها بصحبة وزيرة خارجيته هيلارى كلينتون إلى مسجد السلطان حسن، وهناك خلع أوباما حذاءه، ورفض أن يرتدى الخف الذى قدم له مكتفيا بالسير على الأرض بجواربه، بينما غطت كلينتون شعرها، ثم اتجه بعد ذلك إلى جامعة القاهرة لإلقاء خطابه التاريخى الموجه للعالم الإسلامى، وعقب الانتهاء من خطابه قام بجولة سياحية بمنطقة الأهرامات ثم غادر القاهرة بعد تسع ساعات قضاها فى مصر، ويبدو أن هذه الساعات التسع كانت نقطة تحول فى تاريخ المنطقة كلها، وقد تم الإعداد إعلاميًا لهذه الزيارة بواسطة البيت الأبيض والخارجية الأمريكية، وتجلى ذلك فى تصريح روبرت جيبس السكرتير الصحفى للبيت الأبيض معللًا زيارة أوباما لمصر بأنها الدولة الأهم فى عملية السلام فى الشرق الأوسط وبأنها تمثل قلب العالم العربى والإسلامي، وحرصت السفارة الأمريكية بالقاهرة على تنظيم كل الإجراءات الخاصة بالزيارة ابتداء من موكبه والأمن المرافق له وانتهاء بالدعوات التى أرسلت باسم الرئيس الأمريكى، ولكنها تضمنت جملة أخرى وهي «يتشرف فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوى والدكتور حسام كامل رئيس الجامعة بدعوتكم» ومن اللافت للنظر أيضًا أن السفارة الامريكية قد أرسلت معظم الدعوات لعناصر بارزة فى جماعة الإخوان المسلمين كسعد الكتاتنى وحازم فاروق ويسرى تعيلب، وكذلك لبعض المعارضين كأيمن نور وإيهاب الخولى، بالإضافة إلى مجموعة من ممثلى منظمات حقوق الإنسان، وكان من الحاضرين أيضًا الدكتور بطرس غالى وحافظ أبوسعدة وطارق حجى ومحمد شفيق جبر وعلاء الأسوانى إلى جانب بعض الفنانين كليلى علوى وخالد أبوالنجا وخالد النبوى وشريف منير الذى قاطع الرئيس الأمريكى أثناء خطابه، وقال له بالإنجليزية «بحبك يا أوباما» وقد وصلت طائرة أوباما القاهرة فى تمام التاسعة صباحًا ليستقل سيارة مصفحة فى موكب مكون من ثلاثة وعشرين سيارة بعضها كان مكشوفًا لتظهر من خلاله عناصر القناصة بأسلحتهم، وكانت الداخلية المصرية قد أعدت خطة أخرى للتأمين جعلت الشوارع التى يمر بها أوباما خالية من البشر، وأخلت كذلك الشوارع المحيطة بقصر القبة، ولم يستقبل مبارك أوباما فى مطار القاهرة بسبب بروتوكولى، وكان من المفترض أن تتم إجراءات الاستقبال الرسمى فى حرم قصر القبة ولكنها ألغيت فجأة بطلب من الجانب الأمريكى واقتصرت على السلامين الوطنيين دون استعراض لحرس الشرف وغيره من مراسم متبعة، وقد صعد أوباما سلم القصر مهرولًا ومبينا قدرته البدنية كشاب يحكم أكبر دولة فى العالم بينما كان ظاهرا التعب والإرهاق على الرئيس مبارك، والذى كان يمر بظروف نفسية سيئة عقب وفاة حفيده «محمد» نجل ابنه الأكبر «علاء»، وبدأت المباحثات الثنائية بين الرئيسين والتى لم تستمر لأكثر من أربعين دقيقة بعدها تحدث الرئيسان للإعلام وكان حديثًا دبلوماسيًا للغاية أكدا فيه على العلاقات الاستراتيجية بين البلدين وعمقها واستمرار دعم مسيرة السلام فى الشرق الأوسط، وهو كلام مكرر ومحفوظ، ثم عقدت جلسة مباحثات بين أعضاء الوفدين لم تدم لأكثر من نصف ساعة بعدها صافح الرئيس مبارك أوباما مودعًا إياه على باب القصر، وفى الوقت الذى تحرك فيه موكب أوباما إلى مسجد السلطان حسن كان مبارك يجلس مع المقربين له ويخبرهم بأنه قد تحدث مع الرئيس الأمريكى فى رغبته حضور خطابه بجامعة القاهرة فرد الأخير بأنه يريد توجيه الخطاب إلى العالم العربى والإسلامى وحضور الرئيس المصرى ربما لا يساعد على توصيل هذه الرسالة، ويبدو أن الرئيس مبارك لم يقتنع بهذا الرد ناهيك عن التقارير التى رفعت إليه، وأوضحت أن السفارة الأمريكية قد دعت للحفل رموز المعارضة والإخوان وتجنبت رجال النظام، وهنا أدرك مبارك أن أمريكا قد رفعت يدها عن نظامه، وهذا ما أكده أوباما فى خطابه الذى قال فيه بالحرف «لقد أتيت إليكم بالتغيير.. الشباب هم الأقدر على إعادة صياغة العالم» واستشهد ببعض الآيات القرآنية التى تحث على السلام وتحدث عن دور الإسلام فى الحضارة الإنسانية لكنه لم ينس أن يتحدث أيضا عن أمن إسرائيل وعن دعم الولايات المتحدة لها كحليف استراتيجي، ولا شك أن هذا الخطاب قد لقى استحسانا من الحضور الذين قاطعوه بالتصفيق الحاد عدة مرات وبالهتافات أحيانًا، وفى ذلك كتب علاء الأسوانى لماذا يحب المصريون أوباما؟ ووصف خطابه بأنه الأمل والمنقذ للعرب وللمصريين مما هم فيه من استبداد، وذهب أوباما إلى منطقة الأهرامات فى زيارة سريعة وبعدها غادر القاهرة، لينشر بعدها الموقع الاستخبارى الإسرائيلى «ديبكا» كلامًا فى منتهى الخطورة والذى جاء فيه «إن السياسة التى ينتهجها الرئيس الأمريكى أوباما فى المنطقة العربية هدفها دفع الإخوان المسلمين ومساعدتهم لاعتلاء الحكم بدلًا من الزعماء العرب الحاليين، حيث يرى أوباما أن مصلحة إسرائيل تكمن فى دعم الإخوان باعتبارهم قوى إسلامية معتدلة من بطن السنة التى ستقف فى وجه التطرف، وكذلك المد الشيعى الإيرانى، حتى لو كان هذا بالسلام مع إيران فهى لن تعادى الإخوان».. هكذا كانوا يرون المستقبل بينما كنا نقع فى الفخ الذى سموه الربيع العربى، وفى الوقت الذى كان فيه أوباما يستقبل وفدا من الإخوان فى البيت الأبيض ويقبل هديتهم التى كانت عبارة عن مصحف عليه شعارهم، كنا ندير انتخابات ٢٠١٠ بشكل يعجل من النهاية ويسير وفق ما أرادوه لنا.
آراء حرة
زيارة أوباما ونهاية مبارك
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق