الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

سلامة موسى الحائر دومًا.. والديمقراطية "الأخيرة"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نستكمل نشر سلسلة الحلقات التي كتبها لـ«البوابة» المفكر الكبير الدكتور رفعت السعيد قبل رحيله داعين الله أن يتغمده برحمته
والآن آن لنا أن نستعرض رأيا مساندا وبإخلاص وعن فهم ووعى عميقين لسلامة موسى، ولكنه وللأسف جاء بعد رحيله وبالتحديد فى ذكرى وفاته السابعة، فقد كرست مجلة الطليعة (القاهرية) عددها الثامن (أغسطس ١٩٦٥) لتقييم أو بالدقة لتقدير سلامة موسى. وإذا كنت أمتلك شرف الزهو بالمشاركة فى أعداد هذا الملف الشامل فإننى أسجل أكثر الفضل فى هذا الأمر للأستاذ لطفى الخولى رئيس تحرير الطليعة، الذى كان متحمسا أشد الحماس لاستيفاء كل ما يمكن استيفاؤه من معلومات وكتابات ووثائق، وأيضا للأستاذ غالى شكرى الذى كان أكثرنا حماسا وكان يزهو بقرابة ومعرفة شخصية وثيقة بسلامة موسى. ونبدأ بالمقدمة «مع اليوم الرابع من هذا الشهر (أغسطس) تحل الذكرى السابعة لوفاة سلامة موسى ففى ٤ أغسطس ١٩٥٨ سكن عن الحركة والإخصاب عقل علمى متفتح من أنضج عقول أمتنا، وخمدت الأنفاس فى وجدان ثورى، أعطى كل حياته للحرية والإنسان والاشتراكية. وسلامة موسى فى تاريخنا يمثل إحدى حلقات السلسلة العظيمة من مثقفينا الثوريين الرواد الذين التزموا- كل فى عصره- بمسئولية التنويرالعقلى والوجدانى للجماهير الشعبية بحقوقها فى حياة إنسانية متطورة، وزرعوا ومارسوا بكثير من التشخيصات الباسلة قيم النضال من أجل اكتشاف المجهول وإضاءة الظلمات وتحطيم قيود الاستبداد وسيادة الإنسان على أرضه وعالمه ومصيره». ثم «وهذا الملف الذى تقدمه الطليعة – تاريخا وتقييما- لدور سلامة موسى البناء فى فكرنا الثورى المعاصر، ليس مجرد تحية لذكرى مثقف مصرى عظيم فحسب وإنما هو فى الوقت نفسه تحية لكل من ساهموا وما زالوا يسهمون فى تغذية هذا الفكر الثوري».. ثم نقفز عدة صفحات لنصل إلى سلامة موسى وهو يندفع فى ١٩٠٧ إلى باريس ومنها إلى لندن وعاش وسط علماء بهرته أفكارهم فوجد نفسه فى مفترق طرق عديدة: «فإلى جانب نظرية التطور كانت فلسفة نيتشه وشوبنهور وكان المناخ الفكرى الأوروبى قد تشبع بالتيارات الاشتراكية». ولم يكن بوسع هذا الشاب المصرى القادم من ظلام العصور الوسطى فى مطلع القرن العشرين إلى أضواء الفكر الأوروبى المتشابكة فى صخب أن يتعصب لأى منها ضد الأخرى فلم يكن لديه تاريخ فكرى يسمح له بأن يختار.. وهذا ما دفعه إلى أن يتخذ موقفا فكريا عرف به طوال حياته وهو الانتقاء.. فمن كل المعارف التى يطالعها يستخرج الحقائق التى تساعده على تكوين نظرة متسلسلة ومتكاملة للواقع وللإنسان وللعالم بصرف النظر عن مصدرها».. ثم نقفز صفحات أخرى لنقرأ «الواضح أن سلامة موسى لم يتعمق الماركسية فى مرحلة تكوينه الأولى عندما كان فى أوروبا ١٩٠٨ لأنه عندما عاد إلى مصر كان لا يزال بجهل عصب الفكر الماركسى أى الدياليكتيك (الجدل) فهو لم يستخدم المنهج الدياليكتيكى فى تفسير ظواهر الحياة فى الطبيعة وفى المجتمع».. وبعد صفحات نسرع عبرها رغم أهميتها يحدثنا سلامة موسى «التاريخ لا يعيد نفسه ولو فعل لدار حول نفسه فلا يكون هناك ارتقاء إلى أعلى أو تقدم إلى الأمام، لكن التاريخ يعيد المشكلات القديمة ويقدم لها الحلول التى قد تشبه أو لا تشبه الحلول القديمة ولكنها لا تطابقها أى هى تصعد إلى مستوى أعلى، أى أن التاريخ يدور فى حركة لولبية كلما انتهت حلقة صعدت به إلى درجة أعلي»، ثم نواصل بعد صفحات «أننا نجد أثر سلامة موسى فى نظرتنا إلى نشأة الحياة وفى مراقبتنا لسلوكنا النفسى، بل إن أدوات الفكر التى نستخدمها الآن وخاصة مصطلحات مثل «التطور - التقدم- الاتباعية- التقليدية- الرومانسية الثورية- الثقافة»، هى من إنتاج سلامة موسى. وفى عام ١٩١٣ كان «فابيا» متكاملا لكنه كان يؤكد ويتأكد أن الاشتراكية ستأتى بالتدريج وأنها ستخلف الرأسمالية كما يخلف النهار الليل. وفى بداية الثلاثينيات أصدر كتابه «اليوم والغد» وفى خاتمته حدد محور أفكاره ونضالاته القادمة قائلا: إنها البعث القومى، واستخلاص مصريتنا من الشوائب المجلوبة (كالخلافة وغيرها) وثانيا تحرير المرأة المصرية والثالثة الكفاح ضد سيطرة رأس المال الإمبريالى بإنشاء النواة الصناعية لسوقنا القومى المستقل.. وأسس سلامة موسى حركة «المصرى للمصري» داعيا المصريين لاستخدام المنتج المصرى وتشجيعه كسبيل للخلاص من التسلط الأجنبى. وقليلون هم من لا يعرفون أنه كان من أهم المناضلين من أجل إنشاء شركة بيع المصنوعات المصرية.. لتنافس المحلات الأجنبية صيدناوي- شملا- هانو- شيكوريل وعشرات غيرها والتى كانت تحتل كل منطقة وسط القاهرة.. وكثيرا جدا ما كتب سلامة مشجعا لشركة بيع المصنوعات المصرية، كما أسس سلامة موسى «المجمع المصرى للثقافة العلمية» الذى حاول فيه تغليب التفكير العلمى.. ولكن إسماعيل صدقى أغلقه. وواصل سلامة موسى معركته فى جمعية المصرى لمصرى «واشترط على أعضائها ألا يشتروا سلعا أجنبية إذا كان لها بديل مصرى وألا يشتروا إلا من التجار المصريين. وقد حشد فيه جماعة من كبار المثقفين والمفكرين منهم فتحى رضوان ونور الدين طراف ومصطفى أمين وعلى أمين وأمين الخولى وعباس حليم.. وأخيرا وبعد هزيمة العدوان الثلاثى يكتب سلامة موسى قبل رحيله بعام واحد وكأنه يهنئ نفسه قائلا فى عام ١٩٥٧ «أجد الجمهورية التى اتهمت بالدعوة إليها وحبست من أجلها تتحقق، وأجد دعوتى للتصنيع تتحقق، ودعوتى للعلم والتقدم تتحقق، وأخيرا أجد ما اتهمت به بأننى أحب الاتحاد السوفيتى يصبح فخرا بعد موقفه الأبى الكريم نحونا.. وأجد مصريا صميما على رأس حكومتنا هو جمال عبد الناصر الذى نشأ فى عائلة فلاحين وتشمم تربة مصر- ولذلك أستطيع أن أقول: إننى انتصرت».
.. وفعلا.. انتصر سلامة موسى. رغم كل شيء.