الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

طابور منتصف الليل.. وأغاني السادة الوزراء

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كل عام وأنتم بخير.. تمضي بنا الأيام، وتأتي الأعياد في موعدها، مهما كانت الظروف.. يستقبلها الناس محاولين أن يظلوا متمسكين بالأمل في مستقبل أفضل بعد أن غابت الابتسامة من على معظم الوجوه، حتى سمعت أحدهم يقول لصاحبه يوم وقفة عرفة: «هي فين الفرحة اللي كانت بتملى الشوارع ليلة العيد؟».
نعم.. «راحت فين؟».. المعاناة تزداد يومًا بعد يوم، وكثير من الناس لم يعودوا قادرين على تدبير احتياجات العيد، وصارت «اللحمة» حلمًا يراود الغالبية، بعد أن تخطت حاجز المائة وخمسين جنيهًا للكيلو، ولا تسمع من حضرات السادة الوزراء سوى تصريحات مخادعة، حتى إن أحدهم يقول إن السياسات المالية لحكومته تستهدف الغالبية، وتضع نصب أعينها محدودي الدخل كأولوية أولى، بينما محدود الدخل «بياخد على دماغه» ليل نهار بسبب هذه السياسات المالية.
وإذا كان سيادته يتكلم بهذه الأريحية بلا وازع من ضمير، فمن واجبنا أن نوضح للناس أن هذه السياسات لا تضع في اعتبارها الفقير ومنحازة انحيازًا أعمى للأغنياء أو للدقة للمستثمرين، تفرش لهم الأرض ورودا وأزهارا، وتمهد لهم الطريق وتمنحهم الكثير من الإعفاءات والمزايا.. وعلى فكرة.. فإن كاتب هذه السطور ليس ضد المستثمرين، إذا كانوا جادين ويؤدون حق الدولة «على داير مليم».
لا أدري كيف سمح هذا المسئول لنفسه أن يقول إن سياسات حكومته تعطي الأولوية لمحدود الدخل، بينما كل قراراتها تزيد الأعباء على محدود الدخل؟
ثم تعالوا هنا.. هل يعقل أن أصحاب المعاشات يصرخون ويجأرون بالشكوى: «ليس لنا من معين إلا معاشنا الشهري»، والوزيرة تضع يديها فى المياه الباردة، ومعاونوها يقدمون المبررات تلو المبررات عن صعوبة صرف المعاشات قبل عيد الأضحى؟ لكم أن تتخيلوا لو أن للمستثمرين مطلبًا لعقدت الحكومة اجتماعًا طارئًا وصدرت تعليمات عليا بتذليل «العقبات» أمام كل مستثمر، وكنا أيضًا تصدعنا من كثرة تصريحات العديد من الوزراء، يقدمون فروض الطاعة لكل مستثمر ويعتذرون له و«يبوسوا راسه» ويغنون له: «حقك علينا متزعلشى».
عند صاحب المعاش.. ماذا كان موقف المسئولين؟ أحدهم لجأ إلى القانون ليقدم مبررًا، واعتبر نفسه قد أدى ما عليه، حين صرح مشكورًا، أو غير مشكور، وقال بثقة يحسد عليها: «وفقا لأحكام قانون التأمين الاجتماعي والقرارات الوزارية الخاصة بالقواعد المنفذة للقانون فإنه يتعذر صرف معاشات شهر سبتمبر قبل إجازة العيد خلال شهر أغسطس السابق لشهر الاستحقاق»، ولكي يخلي مسئوليته، حرص سيادته على أن يقول: «القانون المنظم لعملية صرف المعاشات لا تملك الوزيرة تعديله أو تغييره، لذلك لا بد من عرضه أولًا على مجلس النواب لإقراره».
فجأة.. تذكروا نصًا في القانون، وفجأة تعلقوا بالمادة «٢٥» من قانون التأمين الاجتماعي رقم «٧٩» لسنة ١٩٧٥ التي حددت «تاريخ استحقاق المعاش اليوم الأول من الشهر الذى نشأ فيه سبب الاستحقاق».
أما الوزيرة نفسها، فلم تشعر بأي تأنيب للضمير، وهي «تبشر» أصحاب المعاشات ببدء صرف المعاش ليلة أول أيام العيد، كما لو كانت تمنحهم ميزة غير مسبوقة، ولم يقدم عليها أي مسئول همام في تاريخ البلاد من أجل راحة العباد.. ما هذا يا سيدتي؟ يعني صاحب المعاش يقضي ليلة العيد في طابور أمام ماكينات الصرف؟ أي مطلوب من ٦ ملايين مسن اعتادوا النوم مبكرًا أن يتوجهوا بعد منتصف الليل إلى أقرب ماكينة، ويا عالم كم من الوقت يقضونه في الطابور، إذا سمحت حالتهم الصحية بهذا الأمر؟ ماذا أقول لكم أيها المسئولون بعد تصرفاتكم غير المسئولة؟
ولو افترضنا جدلًا أن بعض أصحاب المعاشات تمكنوا من تحمل السهر والوقوف أمام ماكينات الصرف.. هل يعقل أن يظل حتى يوم العيد فى حالة نفسية تزداد سوءًا لحظة بعد لحظة، وهو يقف عاجزًا عن تدبير «كيلو لحمة» لأسرته، أو حذاء جديد لحفيده، أو لعبة لحفيدته؟
تعامل الحكومة مع صرف معاشات سبتمبر جاء كاشفًا لمنهج الحكومة ونظرتها إلى المطحونين بفعل سياستها، ولو أن «الناس الغلبانة» على بال المسئولين لاهتموا بهذا الأمر وتنبهوا قبل الموعد إلى النص القانونى الذي تحجج به كل مسئول، وكان يمكن تجاوزه، ولا أعتقد أن «الدنيا هتتقلب» لو صدر قرار بتقديم موعد الصرف أسبوعًا ليتم فى أغسطس، ولكن محدود الدخل «مالوش ضهر يحميه»، وليس له ممثل ضمن أعضاء الحكومة، رغم أن كل المسئولين يتغنون به ويعزفون له أجمل الألحان، بينما لا يرى منهم إلا أسخف المواقف والقرارات.
أما قمة الاستهانة بالرأي العام فتجدها في محاولة «تصدير» صورة للمجتمع بأن الدولة حريصة على الالتزام بالنصوص القانونية.. بينما الواقع يمتلئ بالكثير من نصوص القوانين والدستور التي غطاها التراب، وتصر الحكومة على عدم تطبيقها نهائيًا.
هل أدلكم على نص واحد فقط.. ارجعوا للدستور «أبو القوانين»، تجدون نصًا أشرنا إليه كثيرًا ومرارًا وتكرارًا، لكن الإصرار يفوق الوصف على تجاهل هذا النص، وأعتقد أن القارئ العزيز عرف النص المقصود.. الدستور يا سادة ينص على فرض ضرائب تصاعدية.. احترموا الدستور وابعدوا «شوية» عن جيوب الغلابة، وسلامًا على الصابرين.