الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لِمَ الفلسفة؟ "3-1"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الكتاب الجيد هو الذي تشعر بعد أن تقرأه بأن ثمَّة تغييرًا إلى الأفضل قد طرأ على عقلك ووجدانك، وتشعر أيضًا بعد قراءته أنك أصبحت إنسانًا جديدًا مختلفًا عما كنت عليه قبل قراءته، وإذا صدق هذا المعيار على بعض الكتب مرةً؛ فإنه يصدق على كتاب «لِمَ الفلسفة؟» للدكتور عبد الغفار مكاوي مرات ومرات. 
في المقدمة يقول الدكتور عبدالغفار مكاوي محددًا هدفه من وضع هذا الكتاب: 
«لقد كان في الحقيقة هدفًا متواضعًا، لا يخرج عن تحديد ماهية التفلسف ووظيفته، خصوصًا في عالمنا العربي المتخلف الذي ظهرت عليه مظاهر الانقراض والانهيار، وأصبح في حاجة إلى فكر علمي حر ينقذه ويثبته في وجه الأخطار» (لِمَ الفلسفة؟، ص ١٣)، ولهذا كان يأمل الدكتور عبدالغفار مكاوي - حين أصدر هذا الكتاب عام ١٩٧٨ – أن يجد القارئ نفسه بعد الانتهاء من قراءته، وهو أكثر قدرة على التساؤل غير المحدود، فهذا التساؤل هو الضمان الوحيد لحريته وشجاعته ومسئوليته عن صنع عالم مشترك لا يشكو الفقر، أي عالم يعمه الخير، ويتسيد فيه العقل، عالم تسوده الحرية، ويقام فيه العدل.
«إن الفلسفة هي وحدها التي تميزنا عن الأقوام المتوحشين والهمجيين، وإنما تقاس حضارة الأمة وثقافتها بمقدار شيوع التفلسف الصحيح فيها، ولذلك فإن أعظم نعمة يُنـعم الله بها على بلد من البلاد هي أن يمنحه فلاسفة حقيقيين». (لِمَ الفلسفة؟، ص ٧).
هكذا يصدر الدكتور عبدالغفار مكاوي كتابه: «لِمَ الفلسفة؟» بسطور للفيلسوف الفرنسي ديكارت، وردت بكتابه «مبادئ الفلسفة» ترجمة المرحوم الدكتور عثمان أمين. 
إن معاودة قراءتى لكتاب «لِمَ الفلسفة؟» الصادر عام ١٩٧٨، أشعرتنى بأن الدكتور عبدالغفار مكاوى إنما يرصد المشهد الثقافى والسياسى والاجتماعى لمصر اليوم ٢٠١٧؛ فإذا كان ديكارت يقول - بوصفه فرنسيًا - «إن الفلسفة هى وحدها التى تميزنا عن الأقوام المتوحشين والهمجيين»، فإن ديكارت لو عاد مرة أخرى للحياة لقال إننى أعني بالأقوام المتوحشين والهمجيين أقطار منطقة الشرق الأوسط، خاصةً مصر التى تعلو أرجاءها أصوات تنادي بهدم الأهرامات والآثار الفرعونية المصرية القديمة، وفي مقدمتها تمثال أبو الهول، وكذلك تقييد حرية المرأة، وختان الإناث، وإباحة الزواج من القاصرات، وفرض الجزية على المواطنين المسيحيين... إلخ. 
إن هذه الأصوات وإن كانت قد خفتت قليلًا، فليس اقتناعًا وإنما توجسًا وترددًا إلى حين، وخاصة أن أصحاب هذه الأصوات ينخرطون اليوم في أحزاب سياسية تسمح الدولة بقيامها، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على مدى اضطراب السياسات العامة الموضوعة وتخبطها!! 
إذا كان ديكارت قد قال – كما أشار الدكتور عبدالغفار مكاوي في صدر كتابه - «إن أعظم نعمة ينعم الله بها على بلد من البلاد، هي أن يمنحه فلاسفة حقيقيين».. فإن علينا أن نقول من واقع المشهد الحالي في منطقتنا العربية: 
«إن أشد نقمة يبتلي الله بها بلدًا من البلدان، هي أن يسلط عليهم فئة من غلاة المتشددين المتعصبين المتاجرين باسم الدين، من أجل تحقيق مآرب سياسية».
اختار الدكتور عبدالغفار مكاوي أن يقدم لنا «تعريفًا» للفلسفة كما تعلمناه من تاريخها القديم والوسيط، وشاء أن يجعله مدار الفصل الأول الذى يتناول هذا السؤال: «ما الفلسفة؟»، وخلاصة هذا التعريف مستمدة من كلمة «الفلسفة» نفسها بوصفها «سعيًا إلى الحكمة»، أى تأمل عقلى حر وشامل في «الكل».
 ولا يزال هذا التعريف في رأي الدكتور مكاوي صالحًا في إجماله، وإن كانت ضرورات العصر والتطور العلمي والاجتماعي تحتم تطبيقه تطبيقًا مختلفًا عما كان عليه عند الأقدمين، فمن العسير إن لم يكن من المستحيل اليوم أن نقبل المثل الأعلى الذي ينطوي عليه، وهو المعرفة المجردة من كل علاقة بالحياة اليومية والسياق الاجتماعي. 
ولهذا نجد الفصل الثاني من كتاب «لِمَ الفلسفة؟» أشبه «بنقيض الموضوع» بالقياس إلى الفصل الأول الذي قدم «الموضوع»، فهو يحاول الإجابة عن السؤال المطروح «لِمَ الفلسفة؟»، مستعينًا بتعريف هيجل، الذي حدد معنى الفلسفة في أنها «عصرها معبرًا عنه بالأفكار»، وقد أخذ الدكتور عبدالغفار مكاوي بهذا التعريف؛ لأنه ينطوي على نظرة كلية شاملة، كما يتضمن النقد والتحليل، وكلاهما ضروري في عصر يهيب بالفلسفة أن تقترب من الواقع، وتغادر أبراجها الجامعية من حين إلى حين.